Wednesday, February 29, 2012

مقالي عن معجزة ميريل ستريب في "القاهرة" 28 فبراير

أسامة عبد الفتاح يكتب:
ميريل ستريب.. معجزة الأوسكار وأسطورة هوليوود
** ما من دور قدمته على الشاشة إلا وترشحت أو فازت عنه بإحدى الجوائز الأمريكية أو العالمية
** تحب الفوز بالأوسكار لأن لديها طفلة تشعر بالسعادة حين يظهر اسمها بين المرشحين!
أكتب هذه السطور قبل ساعات من إعلان النتائج وتوزيع الجوائز في حفل الأوسكار الأمريكي رقم 84، الذي أقيم في الساعات الأولى من صباح أمس الاثنين بتوقيت القاهرة، أي قبل معرفة أفضل ممثلة في الأفلام التي عرضت بالولايات المتحدة العام الماضي.. لكن النتيجة هي آخر ما يهمني هنا، لدى الحديث عن النجمة الكبيرة ميريل ستريب، التي كانت - كالعادة - من بين المرشحات لهذه الجائزة عن تجسيدها شخصية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر في فيلم "المرأة الحديدية" للمخرجة فيليدا لويد.
بصرف النظر عن أي جائزة، تستحق ميريل ستريب (62 عاما) التكريم المتواصل، باعتبارها من أهم ممثلات العالم، وليس الولايات المتحدة فقط، تقديرا لما قدمته من أفلام مهمة وأدوار لا تنسى منذ احترفت التمثيل السينمائي عام 1977 مع فيلم "جوليا"، الذي جعل منتجي ومخرجي هوليوود يدركون أنهم إزاء موهبة فذة قلما تتكرر، وسرعان ما ظهرت الأدلة على ذلك، حيث حصلت - في العام التالي مباشرة - على أول ترشيح لأوسكار أحسن ممثلة في دور مساعد عن فيلم "صائد الغزلان"، ثم نالت ذات الجائزة لأول مرة في العام الذي يليه - 1979 - عن الفيلم الشهير "كرامر ضد كرامر".
ليست ستريب مجرد ممثلة أو نجمة كبيرة، بل أسطورة تمشي على قدمين في مجالها، فما من دور قدمته على الشاشة تقريبا إلا وترشحت أو فازت عنه بإحدى الجوائز الأمريكية أو العالمية.. ترشحت 17 مرة لنيل الأوسكار، وهو رقم قياسي معجز لم يسبقها إليه أحد، ويصعب أن يحققه أحد بعدها، لكنها لم تفز سوى بجائزتي أوسكار (وأغلب الظن أنها أضافت الثالثة أمس)، الأولى أشرنا إليها، والثانية أوسكار أحسن ممثلة عام 1982 عن دورها فى فيلم "اختيار صوفي".. كما ترشحت خلال مشوارها السينمائي الطويل لجائزة "الكرة الذهبية" (جولدن جلوب) 26 مرة، فازت بـ8 منها، آخرها هذا العام عن "المرأة الحديدية"، في رقم قياسي معجز آخر!
نجمة استثنائية
وبالإضافة إلى ذلك، فازت ستريب بجائزتي "بافتا"، وجائزتي "إيمي"، وجائزة أفضل ممثلة من مهرجان "كان" عام 1988 عن فيلم "صرخة في الظلام"، ودب مهرجان برلين الفضي لأحسن ممثلة عام 2003 عن فيلم "الساعات".. كما احتفى مهرجان برلين، الذي اختتمت دورته الثانية والستون أخيرا، بالنجمة الكبيرة، ومنحها جائزة الدب الذهبي الشرفية تقديرا لمشوارها الفني الحافل.. وقال ديتر كوسيليك، مدير "البرلينالي"، في كلمة تكريمها: "نحن في منتهى السعادة لتمكننا من تكريم نجمة استثنائية مثل ستريب، بمنحها جائزة الدب الذهبي الشرفية، في الدورة الحالية للمهرجان، نظرا لمواهبها المتعددة، وبساطة أدائها وعمقه في ذات الوقت، سواء في أدوارها الدرامية الجادة، أو تلك الكوميدية والشعبية".
باختصار، لا توجد جائزة مهمة أو تكريم عالمي يمكن أن تناله ممثلة، لم تحصل عليه ستريب وبجدارة، وعن ذلك قالت: "كلما بقيت في هذه الصناعة أكثر، كلما تشعر بالتواضع أمام الناس يوماً بعد يوم، لا أعتقد أن هذه الصناعة تبنيك كلما مر الوقت، بل بالعكس، أشعر بالدهشة حينما يتم ترشيح اسمي للأوسكار.. لن تصدقوني وأنا أقول ذلك، فأنا لا أتذكر كم مرة جرى ترشيحي للأوسكار وكم مرة فزت بها، ما أعرفه أنني أريد المزيد، لأن لدي طفلة، وهي تشعر بالسعادة حين يظهر اسمي بين المرشحين، لأنها ستذهب إلى الحفل وتشاهد النجوم الحقيقيين!".
وإذا كانت هذه الكلمات تحمل قدرا من الدعابة، فقد قالت بمزيد من الجدية: "أعرف أنني فزت بالأوسكار، ولكن هناك جزءا مني يقول إن علي أن أحصل عليها مرة أخرى.. تغمرك المشاعر، وحين تخسر تعتقد أن عملك لم يكن جيداً، ولكن في النهاية فإنك تشعر بالفخر لمجرد الترشح".. ولم تكن وحدها الراغبة في الأوسكار الجديدة، بل كان زملاؤها أنفسهم يتمنون فوزها، فقد قال جيم برودبنت، المشارك في بطولة فيلم "المرأة الحديدية"، في افتتاح العرض الأوروبي الأول للفيلم، إن ستريب ينبغي أن تحصل على جائزة أوسكار لتجسيدها دور مارجريت تاتشر.. وأضاف: "أحب أن أراها تحصد الجائزة، وأنا على يقين أنها ستفعل".
من القوة إلى الخرف
ووصف نقاد أمريكيون ستريب، بعد أدائها شخصية مارجريت تاتشر، بأنها فنانة مبدعة، وشفافة، خاصة أنها نجحت في إبراز الجوانب الشخصية والإنسانية لتاتشر، التي تبلغ من العمر الآن 86 عاماً وتعانى من الخرف.. ويتناول الفيلم شخصية تاتشر منذ بداياتها كسياسية صاعدة حتى أصبحت امرأة مسنة مرتبكة، وكيف نجحت في كسر حواجز الاختلاف الجنسي والطبقي في بيئة سيطر فيها العنصر الذكوري، فضلا عن الضريبة التي دفعتها مقابل ما حققته من شهرة وسلطة.
يحلل الفيلم، الذي سبق لستريب أن تعاونت مع مخرجته في فيلم "ماما ميا"، الظروف السياسية والاجتماعية التي قادت زعيمة حزب المحافظين إلى تحطيم الرقم القياسي لعمر السياسيين في بريطانيا بعد بقائها في منصب رئاسة الوزراء لمدة 11 عاما متتالية من 1979 إلى 1990، كما يتناول العوامل الأسرية والنفسية والاجتماعية والسياسية التي صنعت الشخصية الصارمة لتاتشر، وما أحاط بهذه الشخصية من صعوبات وتحديات وآراء مؤيدة وأخرى معارضة لقراراتها المثيرة للجدل في الداخل، ولسياساتها الجريئة خارج الحدود البريطانية.
وقال النقاد إن ستريب أدت دور تاتشر بتماه كبير وتقمص كامل، لكي تنقل بمصداقية وحضور مدهش لحظات الانكسار والخيبة ومراحل الصعود والشهرة والثمن الكبير الذي دفعته هذه المرأة العنيدة من أجل الحفاظ على السلطة.
أزمات شائكة
وشبه البعض الفيلم بأنه يمثل النسخة النسائية والمعاصرة لشخصية الملك لير في مسرحية شكسبير الشهيرة، حيث يقود إلى التعرف على الأرشيف الشخصي والعام الذي شكل صورة أشهر امرأة في بريطانيا خلال الثمانينيات من القرن المنصرم، والتي استطاعت أن تخترق الحشد الذكوري المهيمن على البرلمان البريطاني، وأن تتعامل بحنكة وبقسوة أحيانا مع الأزمات التي مرت بها في سنوات حرجة وفارقة من عمر التاريخ الحديث للإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس، بكل ما حملته هذه الفترة من صراعات أحزابها وأزماتها الاجتماعية الشائكة المتمثلة في البطالة والضرائب وتقليص النفقات، وبكل التحديات الخارجية أيضا التي كان أبرزها التصدي بحزم للجيش الجمهوري الأيرلندي السري وغير المعترف به سياسيا في بريطانيا، وقرار إعلان الحرب على الأرجنتين في بداية الثمانينيات بعد صراع شرس بين البلدين على جزر فوكلاند.
وعلقت ستريب على أدائها في الفيلم بأنه فوق طاقة الخبرة التمثيلية، والتعبير الجسدي، وأضافت أنها فخورة لقيامها بهذا الدور الصعب والمركب، الذي يترجم الحالة الذهنية الصعبة وحالات الشيخوخة التي وصلت إليها تاتشر في السنوات الأخيرة، وكذلك استعراض ونقل الفترات المبكرة من حياتها، عندما اقتحمت اللعبة السياسية الشرسة، وضحت باستقرارها الأسري والتواجد مع زوجها وطفليها التوأم حتى تكون على قدر مسؤولية التعامل مع مهمة سياسية كبرى وبحاجة لشخصية حيادية وذات مواصفات نادرة.
ورغم الترحيب الأمريكي الكبير، واجه الفيلم عاصفة من الانتقادات في بريطانيا، حيث اتهمه كثيرون بأنه يشوه تاتشر، البطلة القومية في بلادها.. وانتقد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنتاج فيلم يظهر تاتشر في صورة امرأة مسنة وضعيفة. وأثنى كاميرون على ستريب، لكنه قال إنه ما كان يجب إنتاج الفيلم مع وجود تاتشر على قيد الحياة وتعاني من الخرف. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية: "إنه عمل فني رائع قامت به ميريل ستريب، لكن لا تستطيع أن تخفي شعورك بالدهشة.. لماذا هذا الفيلم الآن؟ إنه يركز أكثر على الشيخوخة وعناصر الخرف بدلاً من أن يكون عن رئيسة وزراء مذهلة

No comments:

Post a Comment