Wednesday, February 29, 2012

مقالي عن فيلم "صعود كوكب الشمبانزي" في "القاهرة" 20 سبتمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"صعود كوكب الشمبانزي".. ثورة "سلمية" على وحشية البشر
كل ما يتعلق بالاسم التجاري "تمرد كوكب القرود" – الذي تم اختياره للفيلم الأمريكي Rise Of The Planet Of The Apes المعروض حاليا في مصر – خاطئ.. فالاسم هكذا يوحي بأن هناك كوكبا قائما بالفعل للقرود وأن هذا الكوكب يتمرد، ولا ندري على من، أو لماذا يتمرد أصلا – على البشر أو غيرهم – إن كان قائما ومستقرا؟
الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم الأمريكي هي "صعود" أو "قيام" أو حتى "ظهور" الكوكب، وهو ما يتسق مع مضمون الفيلم، الذي يحذر من صعود شأن القردة وتهديدها البشر واستيلائها على الأرض إذا استمرت معاملة البشر السيئة لها، وكذلك إذا استمرت التجارب الطبية الخطيرة التي يجريها الإنسان على الحيوانات.
ثم أن الأمر لا يتعلق أصلا بالقرود، بل بالشمبانزي، وهذا واضح وضوح الشمس في حوار الفيلم وأحداثه، ويتسق – بدوره – أكثر مع المضمون، حيث أن الشمبانزي، بمعدل ذكائه، هو المؤهل لتحدي الإنسان إذا طرأت عليه طفرات علمية.. وعليه، تصبح الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم: "صعود كوكب الشمبانزي".
أسئلة فلسفية
وقضية الاسم مهمة جدا فيما يتعلق بهذا الفيلم تحديدا، ولها علاقة مباشرة بنوعيته وهويته، حيث أن اسم "تمرد كوكب القرود" يحيل بشكل أو بآخر إلى نوعية الخيال العلمي المستقبلي، بكل عناصره وتوابله المعروفة، في حين أن الفيلم تدور أحداثه في الوقت الحالي، وفي قلب مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية.. صحيح أن تصنيفه "الرسمي" يتبع الخيال العلمي، إلا أن وقوع أحداثه في الوقت الحالي، ومناقشته بعض القضايا الآنية مثل التجارب العلمية البشرية الجامحة ومرض فقدان الذاكرة التدريجي (ألزهايمر)، يمنحانه هوية مختلفة، اجتماعية ومعاصرة.
كما يطرح الفيلم أسئلة فلسفية معقدة عن التقدم العلمي للإنسان، وما إذا كان من المفترض أن يتوقف عند حد معين، خشية أن يتحول إلى نقمة.. فالقصة تدور باختصار حول عالم شاب بأحد معامل الأدوية الأمريكية العملاقة يجري تجارب على الشمبانزي لتطوير دواء لعلاج الألزهايمر.. وبما أن الدواء علاج جيني بشري يعمل على إصلاح خلايا المخ التالفة، فهو يؤدي إلى طفرات غير مسبوقة في معدلات ذكاء الشمبانزي تمكنه من تحدي الإنسان – بل والتفوق عليه – عند وقوع مواجهة دموية بينهما بسبب سوء معاملة الإنسان للشمبانزي في مركز يفترض أنه مخصص لرعاية هذه الحيوانات، لكنه يتحول إلى مكان لإساءة معاملتها وتعذيبها.
وهناك قضية أخرى يطرحها الفيلم بشكل غير مباشر، ويمكن وضع اليد عليها في المستوى التالي لفهمه واستيعابه، وهي أن الخطر القادم الذي يهدد الإمبراطورية الأمريكية يكمن في تطور قدرات وذكاء المخلوقات الأدنى.. وهذه المخلوقات قد تكون – بالنسبة للإنسان الأنجلوساكسوني المتغطرس – غيره من البشر في العالمين الثاني والثالث، وليس فقط الشمبانزي!
سلسلة لها تاريخ
أما أغرب تفسير لنجاح الفيلم والإقبال عليه في مصر، حيث تجاوزت إيراداته مليون جنيه رغم عرضه في خمس صالات فقط، فهو المتداول على بعض المواقع الإلكترونية، وملخصه أن المصريين أقبلوا على الفيلم لأنه يعبر عن ثورة 25 يناير، فهو يشهد وصول جموع الشمبانزي إلى مرحلة الغضب والثورة بسبب القمع والتعذيب والمعاملة السيئة التي تتعرض لها في "المعتقل" الخاص بها.. كما يقدم هذه الثورة باعتبارها "سلمية"، حيث يرفض قائد الشمبانزي أي عمليات قتل غير مبررة للبشر، ولا يوافق سوى على إيذاء من شاركوا بشكل مباشر في تعذيب أقرانه وقمعهم.. وتتأكد سلمية الثورة في النهاية، حين يتضح أن كل ما تريده جموع الشمبانزي أن يتركها الإنسان تعيش في سلام وهدوء في غابة الصنوبر على أطراف مدينة سان فرانسيسكو.
والمعروف أن سلسلة أفلام "كوكب القرود" من أشهر كلاسيكيات الخيال العلمي عبر تاريخ هوليوود، وقد جاءت بتصورات ورؤى مختلفة، كلها قائمة على رواية الأديب الفرنسي بيير بول الصادرة بنفس العنوان عام 1963، وأول أفلام السلسلة أنتج عام 1968 من إخراج فرانكلين شافنر وبطولة تشارلتون هيستون، وكان بمثابة ثورة في تقنيات وماكياج الأقنعة المطاطية التي صممها ونفذها جون شامبيوز وحصل عنها على جائزة الأوسكار.
ثم صدرت عدة أجزاء منها "تحت كوكب القرود" عام 1970، و"غزو كوكب القرود" عام 1972، و"معركة من أجل كوكب القرود" عام 1973، كما تم إنتاج اثنين من المسلسلات التليفزيونية، وبعض مسلسلات الرسوم المتحركة، وكلها نسخ تستثمر نجاح السلسلة وتطور أشكال وأقنعة القرود.. وبعد "هدنة" دامت نحو ثلاثة عقود، قدم المخرج الكبير تيم بيرتون أحد أهم أفلام القرود عام 2001، ونظرا لنجاحه الساحق تم اختياره لحفظه في سجل الأعمال الوطنية الأمريكية من قبل مكتبة الكونجرس نظرا لأهميته الثقافية والتاريخية والجمالية.
أسلوب مختلف
وظن الكثيرون أن نجاح بيرتون سيكتب كلمة النهاية للسلسلة الشهيرة، حتى ظهر فيلم العام الحالي الذي قام ببطولته جيمس فرانكو، وجون ليثكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، من إخراج روبرت وايت.. وبالأفكار التي سبق توضيحها، استطاع الفيلم الجديد الاستقلال عن ثوابت السلسلة المعروفة، وإعادة طرح القصة بأسلوب جديد مختلف تماما عما سبق.. صحيح أنه يستغل الاسم التجاري، لكنه يظهر بشكل درامي وتقني مميز يجعله مستقلا عن السلسلة، ويحمل من الإثارة بقدر ما يحمل من عمق بطرحه جدلا أخلاقيا دائرا حاليا في الدوائر العلمية التي تتخصص في علم الجينات، فيحذر من فكرة العبث بالجينات البشرية لما في ذلك من مضار وخطورة.
كما تميز تقنيا بتصميم حيوانات الشمبانزي بتقنيات الكمبيوتر والجرافيك، على عكس الأعمال السابقة، حين كان يؤدي ممثلون أدوار القرود مستعينين بالأقنعة وفنون الماكياج.. ومن فرط إتقان الجرافيك، تفوق أداء الشمبانزي "الإلكتروني" على أداء الممثلين، الذين كانوا أضعف ما في العمل على الإطلاق، بمن فيهم البطل جيمس فرانكو، الذي كان قد رشح للأوسكار عن دور شاب متسلق مغامر في فيلم "127 ساعة"، حيث لا يبدو مقنعا على الإطلاق في دور العالم النابغة، مما يدل على أنه مؤهل للعب أنواع معينة من الأدوار وليست لديه الموهبة الكافية لتجسيد كل الشخصيات.
والمشكلة الأكبر في الفيلم أنه لا يوجد أي نوع من الانسجام أو "الكيمياء" بين فرانكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، التي تؤدي دور دكتورة بيطرية تتعاطف مع قضية البطل وتقع في حبه، رغم جمالها وحضورها الواضحين.. والسبب الواضح في رأيي أن الدراما لم تهتم بهذه العلاقة وتطورها، حيث لا يبدو على البطلين أنهما ارتبطا بعلاقة معا امتدت لسنوات، ويخيم البرود على المشاهد التي تجمعهما.
البطل الحقيقي للفيلم هو الفريق التقني من مصورين ومونتيرين ومصممي الخدع والمؤثرات البصرية، الذين دخلوا تحديا كبيرا لعمل "الجاميه فو"، أو ما لم يشاهده أحد من قبل، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، وتجلت إمكانياتهم – على سبيل المثال – في عمل مشاهد الخدع والمؤثرات في "عز النهار"، في حين كان المتعارف عليه في السابق أن "تتستر" الخدع بمشاهد الليل، لمداراة أي عيوب أو هفوات

مقالي عن "المسافر" في "القاهرة" 5 أكتوبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"المسافر".. تذكرة بورسعيد لا تصلح للسفر إلى الكون
** خيال المخرج وأحلامه أكبر مما خرج عليه الفيلم.. والفكرة أكبر من السيناريو.. والميزانية أكبر من مستوى الإنتاج
** خفة أحمد ماهر انتقلت بالعدوى إلى عمر الشريف في أدائه الشخصية.. ووقع خالد النبوي في فخ تقليدها
سافر فيلم "المسافر" كثيرا قبل أن يعود إلى أرض الوطن ليشاهده أخيرا الجمهور المصري تجاريا، بعد عامين كاملين من إنتاجه ظل خلالهما يجوب المهرجانات الدولية، ليكون المصريون آخر من شاهدوه في العالم رغم أنه أنتج بأموال الضرائب التي يدفعونها، فهو أول إنتاج للدولة – ممثلة في وزارة الثقافة – منذ عام 1971، تاريخ تصفية المؤسسة المصرية العامة للسينما.. وبذلك يصبح أول فيلم في تاريخ السينما العالمية يكون منتجه آخر – وليس أول – من يشاهده.. كما أنه أول فيلم في تاريخ السينما المصرية يعرض في مصر بعد عامين من إنتاجه، حيث أنتج عام 2009 ولم يبدأ عرضه إلا الشهر الماضي.
طالت غربة "المسافر"، وكانت النتيجة أنه بدا قديما حين بدأ عرضه في وطنه.. وعلى سبيل المثال، يقدم التتر سيرين عبد النور على أنها تظهر في السينما لأول مرة، في حين أنها قدمت العديد من الأعمال أثناء غيابه الطويل، وهو ما أثار تساؤلات عدد ممن شاهدوا الفيلم معي في القاعة، وكانوا في حدود العشرين.. كما عاد الفيلم إلى مصر منهكا، فاقدا 20 دقيقة من مدة عرضه حذفها مخرجه أحمد ماهر، بعد الانتقادات الحادة التي وجهت إليه من النقاد والجماهير – وبطله عمر الشريف نفسه – فور عرضه في مسابقة فينيسيا 2009، واتهامه بأنه ممل، ويصيب المشاهد بالضجر.
طردت كل هذه المعلومات والأفكار المسبقة من رأسي، وجلست إلى مقعدي في الصالة وأنا عاقد العزم على التعامل بأمانة مع الشريط السينمائي المعروض أمامي، بغض النظر عما أحاط به من جدل.. كما حرصت على مراعاة نصيحة ناقد سينمائي كبير طالب الجميع – نقادا وجماهير – باعتبار الفيلم "غير واقعي"، ودعا إلى عدم تطبيق قواعد التلقي التقليدية عليه.. وتجاهلت، بل تناسيت تماما، حقيقة أن هذا الناقد كان أحد أعضاء اللجنة التي شكلها وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني – وكافأها بسخاء – لتقييم السيناريو، واعتمد على تقريرها في اتخاذ قرار إنتاج الفيلم.
تمجيد وتهليل
وكان التقرير ينص – بالحرف الواحد – على أن "السيناريو ساحر، ومن أفضل ما كتب في تاريخ السينما المصرية، وسيعيد هذه السينما إلى أمجادها في المحافل الدولية".. وإذا أضفت إلى ذلك أن ميزانية الفيلم كانت محددة بتسعة ملايين جنيه فقط، ووصلت إلى نحو 22 مليونا بفضل – أو بسبب – هذا التقرير وغيره من مظاهر التمجيد والتهليل غير المبررة للسيناريو، لعرفت لماذا يوجه المخرج الشكر إلى هذا الناقد في نهاية الفيلم!
الشعور الذي يسيطر عليك وأنت تشاهد "المسافر"، ويستمر معك بعد إتمام المشاهدة، أن كل ما يتعلق به – بدءا بأحلام وتخيلات المخرج / المؤلف، وانتهاء بالتنفيذ بهذه الميزانية الضخمة – أكبر وأهم مما شاهدناه بالفعل على الشاشة.. فالإنتاج فقير رغم هذه الميزانية، ومؤلف الفيلم ومخرجه يبدو كأنه اشترى تذكرة إلى بورسعيد، المحطة الأولى في رحلته مع بطله، وأراد السفر بها إلى الكون كله، حيث الأسئلة الكوزموبوليتانية الفلسفية عن الموت والحياة والميلاد والعلاقات الإنسانية المتشابكة، وكانت النتيجة الطبيعية أن المخرج تاه وتاه معه المشاهد!
أراد المخرج، في أحلامه وتخيلاته، أن يطرح هذه القضايا الفلسفية في إطار فانتازي لا يتقيد بالواقع، وانتهى به الأمر إلى الانخراط في بحث قضية سطحية قديمة هي اختلاط الأنساب، في إطار شديد السذاجة والتفاهة هو تطور شكل "الأنف" عبر الأجيال.. أراد عمل فيلم ذهني ينتمي لسينما المؤلف عبر سيناريو أدبي شاعري، فإذا بالسيناريو يخرج شديد الضعف والتهافت والتفكك، وإذا به يفشل حتى في التعبير عن الفكرة المباشرة التي يقوم عليها الفيلم، والتي تتلخص في القيام برحلة عبر الزمن من خلال التوقف عند ثلاثة أيام في حياة موظف التلغراف "حسن" (عمر الشريف في مرحلة الشيخوخة وخالد النبوي في مرحلتي الشباب والكهولة)، تقع في خريف سنوات 1948 و1973 و2001، حيث يحول البناء الدرامي المختل هذه التواريخ المهمة، التي ترمز لأحداث محلية ودولية كبرى لا تخفى على أحد، إلى أرقام جوفاء على الشاشة فارغة من أي معنى أو مضمون.
قانون الفانتازيا
ولا أقصد أن يسرد الفيلم وقائع هذه الأحداث ويتحول إلى فيلم تاريخي، بل أن يكون هناك أي مبرر أو سبب لوضع هذه التواريخ بالتحديد على أجزاء الفيلم الثلاثة، لكن ذلك لم يحدث، لا هو ولا غيره، بل أغرقنا الفيلم في تفريعات ليس لها علاقة بموضوعه المزعوم، انشغل خلالها أحمد ماهر بالشكل على حساب المضمون، وعلى حساب أي منطق، حتى منطق الفانتازيا.. وهنا يجب التوقف قليلا لوضع النقاط فوق الحروف، فاستخدام أسلوب الفانتازيا لا يعني أن يفعل المخرج ما يعن له وما يخطر على باله من دون أي منطق أو قانون أو قاعدة، بل أن يضع هدفا لفانتازيا فيلمه، ومنطقا يتسق ويتفق مع دراما العمل.. لكن ما دامت هذه الدراما مختلة، فمن الطبيعي أن تخرج الفانتازيا سقيمة، مثل طائر يريد عبور البحر بأجنحة مكسورة.
ليس من المعقول مثلا أن تكون هناك مقابر على البحر مباشرة، على بعد خطوات قليلة من الأمواج، فالأطفال يعرفون أن الحفر في مثل هذا المكان معناه الوصول إلى الماء بعد ضربتي معول، ودفن الجثث عائمة.. وإذا قال لي أحد أن هذه هي الفانتازيا، سأرد بأنها تعارضت للأسف مع دراما المشهد نفسه، الذي يشمل بالفعل حفر أحد القبور من دون أن يظهر ماء البحر، وهذا هو بالضبط ما قصدته بأن تكون الفانتازيا في خدمة الدراما.. لكن المشكلة أن المخرج لا يريد أن يخدم الدراما، بل أن يحقق تخيلاته وأحلامه الشكلية، مثل الحمام الأبيض الذي أطلقه في شقة البطل بالتصوير البطيء وكأننا إزاء فيديو كليب لإليسا، ومثل إخراج حفيد البطل المزعوم (شريف رمزي) من المستشفى بسرير غرفة العمليات.. ومن الممكن أن يكون إصرار الجد على إخراجه وهو تحت تأثير البنج، ورفضه أن يجري عملية تجميل الأنف، فكرة درامية جيدة.. أما خروجه بسرير المستشفى، والسماح له بذلك، فقمة عبودية الشكل على حساب الموضوع.
أما أخطر عيوب السيناريو، وبالتالي الفيلم، فهو التعامل بخفة وسطحية مع الشخصية الرئيسية، التي ينتهي الفيلم من دون أن نتعاطف معها، ومن دون أن نعرف عنها شيئا، رغم وجودها الدائم على الشاشة من أول إلى آخر مشهد.. فلم تكن هناك أي محاولة للتعمق في الشخصية وإبراز خلفياتها وأبعادها المختلفة بما يسمح بتبرير تصرفاتها.. وللأسف انتقلت هذه الخفة بالعدوى – وربما بالتوجيهات – إلى عمر الشريف في أدائه الشخصية، فجاء مثيرا للشفقة والضحك، حيث أدى العديد من المشاهد بطريقة إسماعيل ياسين في أفلامه الهزلية.. وللأسف أيضا، انتقلت الخفة – بالتقليد هذه المرة – إلى خالد النبوي، الذي أصر على تقليد مشية وطريقة كلام عمر الشريف رغم اختلاف عمريهما، مما دعا الأخير إلى وصفه بأنه "أسوأ ممثل في العالم"!
لم يبرز من الفيلم سوى الفريق التقني، في التصوير والمونتاج والموسيقى والميكساج، وإن كنت قد انزعجت من لجوء المونتير تامر عزت – ربما بتوجيهات المخرج – إلى القطع بتسويد الشاشة في عدة مشاهد رغم عدم تغيير المكان أو الزمان.. كما كان مشهد سقوط البطل من كوبري إمبابة إلى النيل – في النهاية – ضعيف تقنيا، وتم تنفيذه بطريقة شديدة السوء والركاكة

مقالي عن فيلم "سيما علي بابا" في "القاهرة" 15 نوفمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
مصير محمد سعد ينتظر أحمد مكي.. في "سيما علي بابا"
** الإسقاطات السياسية الخائبة لا تكفي لصناعة سينما جيدة.. وفكرة "الشبيه" أصبحت مرفوضة مهما كانت المبررات
** الفيلم حاول تقديم الجديد المبتكر فوقع في فخ القديم المستهلك.. وصناعه لم يقدموا أي "بارودي" ساخرة كما تصور الكثيرون
منذ ثلاث سنوات، نشرت مقالا أشدت فيه بالفنان أحمد مكي عندما قرر التوقف عن تجسيد شخصية "هيثم دبور"، وعدم المشاركة في جزء جديد من المسلسل الكوميدي "تامر وشوقية" الذي كان يقدمها من خلاله.. وقتها خلع مكي "باروكة دبور"، وقال إنه لن يعود لارتدائها أبدا حتى لا يصيب الجمهور بالملل، وإنه يكفيه تجسيد الشخصية في أكثر من جزء من المسلسل وفي فيلمين، أحدهما يحمل اسمها، وأضاف بالحرف الواحد: "مش عشان السبوبة نتساخف على الناس"، أي لا يجب أن نكون مصدر مضايقة للمشاهدين لمجرد أن نجمع المال.. وقارنت في المقال بين هذا الموقف الذكي وبين إصرار الفنان محمد سعد على مواصلة تقديم شخصية "اللمبي" حتى أصيب جمهوره بالضجر، مما أثر على إيرادات أفلامه وأسقطه في النهاية من عرش النجومية والجماهيرية إلى هاوية لم يعرف - حتى الآن - كيف يخرج منها.
ودارت الأيام لتشهد ارتكاب مكي نفس الخطأ، ووقوعه في نفس الفخ، من دون أن يتعظ برأس سعد الطائر.. وبدأ الأمر بإعادة استخدام إحدى شخصيات فيلم "طير انت" في مسلسل من جزءين بعنوان "الكبير قوي"، وإن كان مكي قد رفض عمل جزء ثالث رغم نجاح المسلسل.. كما تم عرض صور شخصيات "طير انت" في فيلمه الثاني كبطل مطلق، "لا تراجع ولا استسلام"، ليختار منها جراح تجميل الشبيه الذي يصلح بديلا لمجرم خطير مقتول.. ووقع الخطأ الأكبر عندما تم استدعاء "حزلقوم"، بطل "لا تراجع ولا استسلام"، للقيام بدور البطولة أيضا في "العرض الأول" من اثنين يتكون منهما فيلم مكي الأخير "سيما علي بابا"، المعروض حاليا في دور السينما.
مبررات واهية
ولا تكمن المشكلة الحقيقية في تكرار شخصية "حزلقوم" بقدر ما تكمن في تكرار الدور الذي يلعبه، وهو الشبيه، حيث يحل في الفيلم الأول بديلا للمجرم الخطير، وفي الثاني بديلا لرئيس أحد كواكب الخيالية، في إطار خطة تآمر نمطية للغاية يضعها "كبير الوزراء" (الممثل الواعد هشام إسماعيل) للاستيلاء على الحكم.. ألا يذكرك ذلك بشيء؟ نعم، "سلامة في خير"، و"صاحب الجلالة"، و"المليونير"، وعشرات الأفلام المصرية والأجنبية التي قامت على هذه الفكرة المستهلكة، بما فيها "لا تراجع ولا استسلام" نفسه.. وشخصيا لم أقتنع بالمبرر "الأمني" الذي ساقه هذا الفيلم الأخير لإعادة تقديمها، وهو أن أحدا لن يتصور اللجوء إليها مجددا لفرط ما استهلكت من قبل.. كما لم "أبلع" مبرر "سيما علي بابا" لفرضها على المشاهد مرة أخرى وأرجو أن تكون أخيرة، وهو أنها لم تنفذ من قبل في كوكب "ريفو" الخيالي، فقد سئمت - وكثيرون غيري - هذه الفكرة المقيتة وأرجو أن تختفي من السينما المصرية والعالمية إلى الأبد.
يتكون "سيما علي بابا" من كليب عن طقوس دخول دار السينما وفيلمين: "حزلقوم في الفضاء"، الذي يتتبع مغامرات الشبيه في الكوكب الخيالي، و"الديك في العشة"، عن انتصار مجموعة من الحيوانات الطيبة على ضباع شريرة غازية بمساعدة ديك غريب نصاب يتحول في النهاية إلى بطل.. ولذلك تصور الكثيرون أن الفيلم قائم على فكرة "البارودي"، أو المحاكاة الساخرة، سواء محاكاة دار سينما "علي بابا" نفسها، وفكرة "الفيلمين في بروجرام واحد"، أو محاكاة أفلام حرب الكواكب الأمريكية في الجزء الأول، أو محاكاة أفلام والت ديزني وقصص الأطفال في الجزء الثاني.
القالب والخليط
ورأيي أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، فالحق أن صناع الفيلم لم يقدموا أي "بارودي" من أي نوع، ولم تكن هناك محاكاة ساخرة لأي عمل شهير أو كلاسيكي، وكل ما حدث أنهم استخدموا قالبي أفلام حرب الكواكب وقصص والت ديزني لصب خليط غير موفق للأسف من القصص القديمة، والإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة، والإفيهات واللازمات المكررة، مثل اللازمة التي يؤديها مسئولو الكوكب كلما ذكر اسم "الأرشيدوق" المقدس في الجزء الأول، والتي تحيلك على الفور إلى لازمة فؤاد المهندس "طويل العمر يطول عمره" كلما ذكر اسم السلطان "مارينجوس الأول" في فيلم "صاحب الجلالة".
ويقوم "العرضان" اللذان يتكون منهما الفيلم على مجموعة من القصص النمطية القديمة التي سئمها الجمهور، مثل قصة الشبيه واستخدامه سياسيا في الجزء الأول، وقصة المجرمين التائبين الذين يخلّصون قرية مسالمة من الأشرار الذين يستولون على خيراتها في الجزء الثاني، والتي تعيد إلى الأذهان الفيلم الكلاسيكي الشهير "العظماء السبعة"، وكل ما خرج من عباءته من أفلام، ومنها الفيلم المصري "شمس الزناتي".. وأؤكد مجددا أنني لست مقتنعا بكل الحجج والمبررات والطرق التي اتبعها صناع الفيلم لتمرير إعادة طرح هذه القصص والأفكار النمطية، ومنها الراوي الذي يظل يقول لنا إننا إزاء قصة تقليدية معروفة تنتهي مثل مثيلاتها بالنهاية السعيدة، فنحن نريد قصصا جديدة تختلف عما ألفناه وتربينا عليه من أساطير وحواديت مهما كانت بداياتها ونهاياتها.. فمتى يقدم مكي قصة جديدة؟
القديم والجديد
أقول ذلك وأنا أعرف تماما أن الفن - في أحد تعريفاته - صب لنبيذ قديم في كئوس جديدة، أي أن أفكار الدراما محدودة ويكون رهان صناعها دائما على معالجاتهم الخاصة والمختلفة لها.. لكن المشكلة أن صناع "سيما علي بابا" يكتفون من الجديد بالقشور والشكل فقط، ففي الوقت الذي يوحي فيه تقسيم الفيلم إلى قصتين، وارتداء الممثلين - لأول مرة في تاريخ السينما المصرية - أقنعة حروب الكواكب والحيوانات، بكل ما هو جديد ومبتكر، يكتشف من يشاهد الفيلم أنه وقع في فخ القديم المستهلك، وأن صناع العمل لم يبذلوا أي مجهود في تقديم معالجات ورؤى جديدة ومختلفة للأفكار النمطية التي يطرحونها.
والشيء الوحيد الذي بذل صناع العمل مجهودا فيه، هو الإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة التي تحفل بهما القصتان المقدمتان.. ففي جزء "حزلقوم في الفضاء"، هناك إسقاطات على رموز النظام السابق من خلال شخصيتي الشقيقين الضالعين في التجارة الدولية للسلاح، وفي المؤامرة المحاكة للاستيلاء على الحكم، في إشارة واضحة لتجاوزات أبناء المسئولين السابقين.. وهناك كبير الوزراء الفاسد، والشبيه البوهيمي الذي يعلن عبر التليفزيون "تسليم السلطة للشعب"، هكذا بكل بساطة!
تصحيح مسار
وفي جزء "الديك في العشة"، هناك إسقاط على الوضع العربي الراهن من خلال رمز الحيوانات الأليفة المستسلمة للضباع الشريرة التي تنهب ثرواتها - في إشارة للغرب الإمبريالي بالطبع، والتي لا تتمكن من التغلب على الضباع إلا بعد أن تتوحد وتدرك حجم القوة الكامنة داخلها.. والمشكلة أن هذه الإسقاطات جرى تقديمها بكل السطحية، من دون أي محاولة للتعمق أو التبرير الدرامي، حتى بدت في النهاية مثل الدروس التعليمية المباشرة.. والمعروف أن المباشرة لا تكفي لصناعة سينما جيدة، وأن مصيرها النسيان، خاصة مع جمهور واع مثل الجمهور المصري.
لقد وصل أحمد مكي إلى مفترق طرق، وبدأ للأسف يسلك الطريق الخاطئة، وعاقبه جمهوره على ذلك فورا بحرمانه من الإيرادات الضخمة التي اعتاد عليها، والإقبال الكبير على فيلم منافسه أحمد حلمي، وهو ما لمسته بنفسي حين ذهبت لمشاهدة "سيما علي بابا" في مجمع يعرض الفيلمين.. إلا أن الفرصة ما زالت سانحة أمام مكي لتصحيح المسار، ويتطلب ذلك في رأيي توقفه فورا عن تقديم أي شخصية سبق له تجسيدها، وتعاونه مع مؤلفين ومخرجين جدد يمدونه بما يحتاج إليه من دماء وأفكار جديدة

حواري مع داود عبد السيد الذي منع طارق حسن نشره قبل أيام من الثورة.. سجل في تونس أواخر 2010

داوود عبد السيد: لا نعرف لمصلحة من يعمل النظام السياسي.. ولا يمكن أن نصنع سينما كبيرة في ظل نوع الرقابة الحالي
أجرى الحوار:
أسامة عبد الفتاح
عندما استمعت إلى تسجيل هذا الحوار، اكتشفت أنني قاطعت المخرج الكبير داوود عبد السيد كثيرا، وندمت على ذلك.. صوته الخفيض، تأنيه، لحظات صمته التي قد تطول ليبحث عن أفضل تعبير عن فكرته، تغريك على مقاطعته، لكنك ستندم على تعطيل استرسال " وطني كبير" عاشق لهذا البلد ويتمنى له الأفضل، وستسعد بأن هذا العشق خرج بالحوار إلى آفاق أبعد وأرحب من هموم السينما.
في ضوء ما يحمله "رسائل البحر" من قيم ليبرالية تتعلق بالحرية وحقوق الإنسان، هل اختلف تلقيه في العالم العربي عن الغرب؟
** لا.. استقباله في مهرجان "تاورمينا" بإيطاليا مثلا كان مماثلا لاستقباله في الدول العربية.. إنه فيلم يمكنك أن تعوم على وجهه كأنه بحر إذا تركت له نفسك ومشاعرك، بشرط أن تتلقاه بشكل سليم، وألا تكون لديك مواقف من الأفكار التي يطرحها.
لكن تقييم الفيلم قد يتأثر بحقيقة أن هذه الأفكار الليبرالية محسومة في الغرب منذ زمن بعيد..
** بالنسبة للجان التحكيم فقط.. وهذه لها حسابات كثيرة قد تكون في بعض الأحيان سياسية، ولها تحيزات شخصية وقومية، باستثناء أعضاء لجان التحكيم المصريين، الذين عادة ما يكونون ضد الأفلام المصرية.
وهل يجعلك ذلك لا تتوقع الحصول على جوائز؟
** لا أتوقع الجوائز أبدا.. ورأيي أن المهرجانات أسواق توزيع تبيع فيها وتشترى، فهي سوق مثل سوق الثلاثاء.. أما الجوائز فشيء آخر تماما وأهم ما فيها أنها تزيد مبيعات الأفلام.
هل تعتبر فيلمك انتصارا لحرية الإنسان؟
** الفيلم يتناول قيما أهملناها وتناسيناها حتى نسيناها.. إنه مجرد محاولة للتذكير والتذكر.. فيلم بسيط يدعوك لأن تتذكر أنك إنسان حر وتحترم الجانب المرهف فيك، الذي يصنع الفارق بين الإنسان والحيوان، يدعوك إلى أن تحب الآخرين وتحاول أن تفهمهم وليس أن تدينهم، أن تكون لك حدود لا تتعداها في التعامل مع الآخرين، وهى حدود القانون، وأن ترفض بيع نفسك.. هذا كله نسيناه، والفيلم يحاول أن يذكر الناس بأننا لم نكن كذلك ولابد أن نعود كما كنا.
ما رأيك في اتهام الفيلم بالسرقة من أفلام أخرى مثل "يوم طفا السمك" لميخائيليس كاكويانيس و"رسالة في زجاجة" للويس ماندوكي؟
** ليس من المعقول أن أرفض عمل مشهد تمطر فيه السماء على سبيل المثال – أو يحدث فيه أي شيء آخر – لأن ذلك قدم من قبل في أفلام أخرى.. هناك أشياء متكررة في الحياة.. المهم أن تكون أسبابها موجودة في الدراما.. وأنا أرفض تماما "النقد المباحثي" الذي يظل يبحث عن السارق.. النقد ليس كذلك على الإطلاق.. وهناك أمثلة كثيرة جدا على إعادة تقديم مشهد أو موضوع كامل كنوع من المعارضة أو الرد أو التحية.. وقد شاهدت فيلم كاكويانيس "يوم طفا السمك" وأعرف أن هناك سمكا ميتا يطفو على وجه الماء في النهاية.. وماذا في ذلك؟ كان من الممكن ألا يكون هناك سمك ميت يطفو عندي في الفيلم وتظل النهاية موجودة، لكن السمك يلخص أشياء كثيرة، ثم أنه مرتبط عندي ببناء كامل، حيث نعرف أن "الحاج هاشم" (صلاح عبد الله) يصطاد بالديناميت، ويظل البطل يسمع أصوات انفجارات الديناميت في مشاهد سابقة على النهاية.. هل أتخلى عن كل ذلك وعن شيء يحدث في الواقع وأعرفه جيدا لمجرد أنه كان هناك سمك يطفو في فيلم آخر؟ إنها فكرة قدمت في فيلم سابق وفى فيلمي وستقدم بعد ذلك.. أما "رسالة في زجاجة"، فلم أشاهده، وفيلمي مكتوب قبله، حيث كتبته قبل أكثر من عشر سنوات ولم أكن أجد له الممول.
ماذا تقول عن قضية الرقابة في ظل ما يتردد عن ارتفاع سقف حرية التعبير؟
** شوف.. لا يمكن أن تكون لدينا صناعة سينما كبيرة في ظل نوع الرقابة الحالي.. أقصد سينما تغزو العالم.. لأن الرقابة الموجودة في مصر رقابة على الأفكار، وهناك مناطق ترفع كما يقولون لافتة "ممنوع الاقتراب أو التصوير".. تعال نتابع رحلة الإنسان: يولد.. يكبر.. ثم تحدث له تحولات ويبدأ يفكر في الجنس ثم يمارسه.. من أول "يمارس الجنس" ممنوع.. لا أقصد تصوير الممارسة الجنسية على الشاشة، ولكن التعبير عن هذا الجانب المهم من طبيعة واحتياجات الإنسان.. وهناك مشكلات اجتماعية ممنوع الكلام فيها، مثل مشكلة الفتنة الطائفية الملحة الآن.. ممنوع الكلام عنها إلا بالصيغة الإعلامية المعروفة التي تردد تعبير الوحدة الوطنية.. وعندما نأتي لموضوع الأديان، نجد أن الكثير من الخطابات الدينية شديدة التخلف.. ممنوع أيضا الكلام عن ذلك إلا بالصيغة الإعلامية.. وممنوع الكلام عن العلاقات بين الأديان، وأقصد العلاقات الإنسانية والاجتماعية وليس الدينية..
أما في السياسة، فتستطيع أن تنقد التفاصيل، لكن هل تستطيع أن تنقد نظاما سياسيا كاملا؟ لا.. يمكن أن تصنع أفلاما دمها خفيف "تلامس" السياسة مثل "عايز حقي" و"طباخ الريس"، لكن أن تتكلم في السياسة، أن تسأل: هذا النظام السياسي يعمل لمصلحة من؟ لا.. وأقول النظام، وليس أن تتحدث مثلا عن "رجل أعمال فاسد"، لأن الظاهرة متكررة في نظام سياسي واقتصادي معين.. هناك موضوعات كثيرة ممنوع مناقشتها، حتى علاقة الإنسان بالله والكون.
لكن هناك أفلاما تناولت هذه العلاقة مثل "بحب السيما" و"بالألوان الطبيعية"..
** أنت هكذا تتكلم في التفاصيل، لكن أساس هذه الموضوعات ممنوع.. مثلا في "رسائل البحر"، عندما يتحدث البطل إلى البحر عن الرزق، قالوا لي في الرقابة: اجعله ينظر إلى أسفل وليس إلى السماء حتى لا يبدو وكأنه يكلم الله.. ما هذا؟ وماذا سيحدث عندما يتحدث إلى الله بهذا الشكل؟ أنت عندما تتحدث إلى الله بحدة فذلك معناه أنك مؤمن.
لماذا فيلمك وقد كانت هناك أحاديث من هذا النوع في أفلام أخرى؟
** أحكى ما حدث معي وليس لي علاقة بغيري.. ولا أعرف ماذا كانت اعتراضات الرقابة على هذه الأفلام وكيف أجيزت.
هل تعتقد أن هذا موقف شخصي منك، في حين وافقت الرقابة مثلا على حديث موجه إلى الله ينتهي بعبارة "أنا مش بحبك.. أنا بخاف منك" في "بحب السيما"؟
** لا..لا.. لكن حتى العبارة التي ذكرتها تمثل رأى كل الرقباء، فكلهم يخافون الله، وبالنسبة لهم ولكل المتدينين فإن تقوى الله والخوف منه إيمان وفضيلة.. المشكلة أن الرقابة تتحول بعد ذلك - وهذه هي المشكلة - إلى صنم داخلك، حيث تبدأ في أن تكون رقيبا على نفسك بشكل ما.. يجب أن نتحرر.. المجتمع كله، وليس السينمائيين فقط، لا يستطيع أن يتحرر.. راجع روايات الجيل الجديد من الأدباء، ستجدها كلها مكتئبة شكاءة بكاءة وتنطق بالكراهية للحياة.. هذا النوع من الأدب لا يمكن أن تصنع منه سينما.. هناك اكتئاب قومي كما قال الدكتور أحمد عكاشة.. في هذه الأجواء لا تستطيع أن تصنع فنا، لأن الفن لا ينطلق إلا من حب قوى ومتدفق للحياة، حتى النقد مهما كان قاسيا لا ينبع إلا من حب للحياة.. لكن الظرف العام بعيد تماما عن ذلك.. البناء الثقافي هرم يبدأ من التعليم الابتدائي وينتهي بالثقافة والفن والفلسفة.. عندنا الهرم كله، البناء كله مخوخ.. في الوقت الذي تعتمد فيه السينما على الخيال يريدون أن يمنعوا "ألف ليلة وليلة" وهى رمز الخيال، وإنجاز الشعوب الإسلامية في فترة ازدهار حضارتها.. هذا غير الرقابة الاجتماعية.. صعب جدا أن تعمل في هذه الظروف.. أنت تمشى على سلوك رفيعة وتحاول أن تتوازن حتى لا تقع ولا تتم مصادرة سيناريو فيلمك.. راجع الأفلام الحلوة، الأفلام المهمة التي شاهدتها في المهرجانات الدولية، وقل لي كم منها نستطيع أن نصنعه في مصر.. قليل جدا..
نحن باختصار نعيش في جو عام يشعر فيه الناس أن القادم أسوأ.. فاليوم أسوأ من أمس وغدا أسوأ من اليوم.. وأنا رأيي أن وظيفة النظام السياسي أن يطرح شعلة الأمل عند الناس، وهو لا يقوم بهذه الوظيفة، بل لعله يقوم بعكسها.
كلامك معناه أنك غير متفائل على الإطلاق..
** لا.. أنا متفائل بشكل عام.. متفائل بقدر الجهد الذي أبذله لتحقيق الأفضل، وأرفض أن يجلس الناس في بيوتهم ويكتئبون وينتظرون أن يحل لهم غيرهم مشكلاتهم أو أن يحلها الله.. ربنا يقول "اسع يا عبد وأنا أسعى معك"، وهناك كما هو معروف فرق بين التوكل والتواكل.. نحن متواكلون.. لماذا؟ لأن ما أمامنا من صعوبات أكبر من قدرتنا على الحل.. الطرق مسدودة.. وهذا كله بسبب مناخ سياسي يمنعنا من الحركة، مثل شخص يقيدك ويعطيك الحد الأدنى من الطعام.. حسنا.. متى ستفك الرباط؟ إن شاء الله الديمقراطية ستأتي تدريجيا.. متى سأحصل على طعام أفضل؟ إن شاء الله سنحسن المستوى.. لكن ماذا تفعل أنت؟ لا شيء.. تحرير إرادة الناس هو الذي يصنع التفاؤل، وإلى جانب ذلك لابد من تعليم جيد وإعلام آخر مختلف عما نعايشه حاليا..
صحيح أنهم حاولوا أن يحرروا الإعلام قليلا، لكنه مازال متخلفا مثيرا للضحك أحيانا.. وعلى سبيل المثال شاهدت حلقة من برنامج "مصر النهاردة" قدمتها المذيعة منى الشرقاوي عن الفيس بوك، ولا أصفها سوى بأنها شيء عجيب وغريب.. قالت مثلا: "يا جماعة احنا مش عارفين مين بيكنب على الفيس بوك.. ما يمكن حد مش مننا.. وبتوع 6 أبريل اللي كسروا ميدان التحرير".. ما هذا الكلام؟ كيف يمكن أن نواكب العالم بهذه الطريقة المتخلفة؟ لابد من تحرير كامل، ورأيي أنه "ما ينفعش" أن تسير أمور الإصلاح بهذا البطء.
فيلمك حصل على منحة من وزارة الثقافة.. هل ترى أن ذلك حل لأزمة السينما؟
** هذا هو الحل الأساسي للارتفاع بمستوى السينما.. لكن رأيي أن تدعم الدولة ولا تنتج.. تدعم عددا من الأفلام وكلما زاد العدد كلما كان أفضل.. دعم الدولة يعنى أن هذه الأفلام لم تكن لترى النور من دون هذا الدعم لأسباب تجارية.. الأفلام الأكثر فنية تجد فرصة نتيجة دعم الدولة، الذي أدعو لزيادته، فمبلغ ال20 مليون جنيه، الذي لا ينتظمون في تقديمه سنويا، أصبح زهيدا جدا في عالم تمويل الأفلام حاليا..
وما رأيك في تجربة الإنتاج الكامل التي أقدمت عليها الدولة في "المسافر" وحظيت بهجوم شديد بل واتهامات بإهدار المال العام؟
** أولا: أنا لم أشاهد الفيلم، وبالتالي ليس لي أي حكم عليه ولا على النتيجة الفنية للتجربة.. قد يكون عظيما أو متوسطا أو سيئا.. هذا لا يخصني على الإطلاق.. ثم إن اعتراضي سابق على عمل الفيلم، حيث اعترضت على فكرة أن تنتج الدولة.. فعندما تنتج الدولة لابد أن يكون لها استراتيجية.. أن تكون لديها أهداف واضحة تريد أن تحققها.. هذه الأهداف لا أعتقد أنها كانت موجودة، وإن كانت موجودة فهي لم تعلن.. ثانيا: هناك إجراءات عندما تريد الدولة أن تنتج.. ثالثا: بدأ الكلام عن ميزانية الفيلم حول 9ملايين جنيه، ثم وصل إلى 22 مليون جنيه وفق أقل التقديرات، وهذه مهزلة على أي حال وبكل المقاييس.. مافيش منتج يبدأ ب 9ملايين ويصل إلى 22 وإلا يبقى خراب بيوت.. والدولة طبعا بيتها مش هيتخرب.. يمكن أن تنتج الدولة في حالات خاصة، فيلم تاريخي أو حربي أو ملحمي، والدولة ترى أنه موضوع مهم جدا ولن ينتج حتى بدعم منها.. هذه حالات خاصة وليس نظاما عاما.. وهذا ليس له علاقة بفيلم "المسافر" الذي لم يعرض بعد عرضا عاما، بل له علاقة بالكلام النظري الذي يسبق الإنتاج.. لماذا تنتج؟ ماذا تريد أن تحقق؟
تقول إننا لن نصنع سينما كبيرة في هذه الظروف وتدخل سباق الأوسكار.. كيف ترى فرص الفيلم؟
** لا أعرف شيئا عن الأفلام الأخرى ولا عن استقبال أعضاء الأكاديمية الأمريكية لفيلمي.. وأقصى آمالي - عندما أحلم - أن يكون مرشحا ضمن الأفلام الخمسة الأخيرة.. ولكن يا عزيزي العالم يتجاوزنا بمراحل، ونحن مثقلون بأثقال كثيرة.. كأن يضعوا 500 كيلوجرام على عداء ويقولوا له تنافس مع غيرك.. يقولون إن حرية التعبير لدينا أكبر أو أفضل من الدول العربية.. يا فرحتي.. حرية التعبير في العالم أكبر وأفضل مننا مليون مرة.. لماذا ننظر خلفنا إلى من هم دوننا ولا ننظر أمامنا إلى من يسبقوننا؟ لماذا تقارنني بالأدنى.. قارنني بالأفضل..
هل تعتقد أن السينمائيين المصريين سيصلون إلى مرحلة الترميز والإسقاط مثل الإيرانيين للتغلب على الرقابة والصعوبات الأخرى؟
** الإيرانيون مهمومون ولذلك يلجأون للترميز والإسقاط.. إنما السينما التجارية المصرية غير مهمومة بأي شيء أصلا، فلماذا ترمز؟
أقصد الجادين..
** لم يعد لدينا جادون.. الجادون جالسون في منازلهم.. وأنا لو واحد من التجار سأفعل مثلهم لأن هذه مصالح، ومصلحتهم المكسب.. إنما صناعة السينما المصرية جزء من القوى الوطنية، ولا يمكن أن تترك هكذا لأكثر من 20 سنة بلا أي اهتمام.. هذه كارثة.. وما يسرى على السينما يسري على أشياء أخرى كثيرة.
حل أزمة السينما باختصار في رأيك إذن سياسي بالأساس..
** ليس فقط أزمة السينما.. أزمة المجتمع كله.. أزمة الناس.. أنا أكلمك عن الاكتئاب القومي، لكن السينما لأنها تجارية تبتعد عن أي حاجة جد لتحقيق الربح..
وما رأيك في التجاري الآخر الذي يمثل الطرف النقيض في السينما وهو تجاري العشوائيات؟
** لا أريد التحدث عن ذلك ولكنه تجارى أيضا.. إنه نفس المنطق الذي يقوم على كيفية جذب المشاهد ودفعه إلى شراء التذكرة.
نريد أن نتحدث قليلا عن مصطلح السينما التجارية المطاط في رأيي.. ألا تتفق معي أن كل الأفلام بلا استثناء صنعت لكي تكسب؟
** طبعا.
إذن كلها تجارية..
** لا.. المقصود عندي بمصطلح السينما التجارية، الأفلام التي تسعى لكي تكون جماهيرية باستخدام الآليات والأشكال والكليشيهات التجارية.. أي حاجة يمكن أن تحولها لشيء مبتذل.. يعنى الحب شيء جميل وقيمة مهمة عند الإنسان، لكن يمكن تحويله لشيء مبتذل، وبدلا من أن أصنع حبا رومانسيا أصنع بورنو.. البورنو في النهاية فعل حب، لكنه فعل ميكانيكي.. والسؤال: هل قيمة الحب تتمثل في الفعل الجنسي بين الرجل والمرأة؟
كنت أقصد أن أي مخرج عندما يؤتمن على أموال منتج فإنه يسعى ليجعله يربح أو على الأقل لا يخسر، وبالتالي فإنه يسعى للربح بشكل تجارى..
** أنت قلت "يربح قليلا أو على الأقل لا يخسر"، إنما التجاري يسعى لكي يربح الكثير جدا.. الفيلم الذي يتكلف مثلا 10 ملايين جنيه، هناك من يصنعه جيدا ويقنع بأن يكسب مليونا، وهناك من يصنعه بشكل تجاري لكي يربح عشرين مليونا.. المسألة نسبية.. بتعمل قد إيه فن وقد إيه إنسانية أو بتعمل قد إيه تجارة وقد إيه ابتذال.. فكرة "السينما النظيفة" التي يرددونها.. ما هي؟ هي الفيلم الذي يمكن إن يراه كل الناس: الأطفال والكبار والعجائز، تدخله أسرة أو عائلة أو قبيلة، وكلهم يشاهدونه بدون أي مشاكل.. ماشي.. لكن ذلك معناه أن تصنع شيئا من على السطح تماما.. يمكن أن أقول نكتة فيضحك عليها كل الناس، لكن لا يمكن أن أتناول موضوعا مهما بهذه السطحية.. هنا فكرة الدعم.. هذا الفيلم لن يحقق ربحا وفيرا، سأدعمك لكي يحقق ربحا معقولا.. وسأختار من يستحق هذا الدعم.
إذا استمرت الصعوبات هل لديك مانع أن تعمل في الفيديو مثل مخرجين آخرين من جيلك؟
** لا.. ليس عندي مانع.. لكن هناك أيضا تقاليد الفيديو التجارية والاجتماعية، ومسألة ال30 حلقة.. في رأيي لابد أن يكون الموضوع ملحميا لكي يستحق 30 حلقة.
مثل "الجماعة"؟
** نعم، "الجماعة" من أفضل الأعمال التي رأيتها في الفيديو المصري، وصنعت سقفا جديدا له.. عندي بعض الاعتراضات، لكن ككتابة بشكل عام وكإنتاج فهو عمل جيد.. هناك من قالوا إنه يصب في مصلحة الإخوان وآخرون قالوا إنه دعاية ضدهم - وهذا حقيقي في بعض الأجزاء، خاصة البدايات - وأنا بشكل عام ضد الأعمال الدعائية، وبالتالي ضد صناعة مسلسل مع الإخوان أو ضدهم.. ولكن قالوا إن مبيعات الكتب التي تتحدث عن الإخوان ومذكرات حسن البنا ارتفعت فور بداية المسلسل.. في رأيي هذا مهم.. أن يجعلني عمل فني أبحث عن الكتب وأقرأ وأسعى لمعرفة المزيد عن الموضوع.. يضع أمامي علامات استفهام ويوقظ فيّ محاولة لبحث أكثر وفهم أكثر.. بينما هناك مسلسلات كثيرة لا أريد أن أذكرها لا تدعوك لأي شيء.. لا لتفهم ولا لتقرأ.. "الجماعة" جعل الأطفال يسألون آباءهم: من حسن البنا ومن الإخوان.. إذن هو ينشر وعيا إنسانيا..
لو كان عرض عليك هل كنت ستخرجه؟
** لا.. لأسباب تتعلق بديني.. وهو لم يكن ليعرض عليّ..
ولو عرض عليك عمل على نفس مستوى الكتابة والإنتاج؟
** سأوافق طبعا.

"الصرخة" فيلم روائي قصير تجربة فنية لافتة ومخرج يستحق الاهتمام

بقلم: خيرية البشلاوي

التقصير في حق المبدعين السينمائيين الشبان خطيئة علي الناقد أن يعترف بها و يكفر عنها.
بداية..أعترف بهذا القصور في حق مخرج يستحق إلقاء الضوء علي أعماله، إنه المخرج أحمد حسونة الذي أتصور أنه لم يأخذ حقه من الأحتفاء النقدي رغم أنه أفضل من كثيرين يملأون الدنيا ضجيجا علي الرغم من انتاجهم الردئ و أفلامهم الفاشلة
أحمد حسونة مخرج أفلام روائية قصيرة وتسجيلية وقد رأيت مؤخراً فيلمه "الصرخة" الذي عرضه مركز الإبداع في الأوبرا ضمن برنامج جمعية نقاد السينما المصريين. وأدار الندوة بعد انتهاء العرض في حضور المخرج. الناقد محسن ويفي.
وقد لاحظت من خلال تعليقات الجمهور اختلاف مفاتيح الدخول إلي العالم الغامض والغريب الذي نجح المخرج في جذبنا إليه.
وعلي أي حال يتميز الفيلم بأجوائه ولغته السينمائية وتشكيلاته التي تنطوي علي مضامين تعكس معاني تبدو غامضة وحالات شعورية ونفسية مركبة.
بردية فرعونية
يضعنا الفيلم أمام تفسير أو محاولة ذاتية للكشف عن أسرار بردية فرعونية يحتفظ بها عالم آثار داخل منزله الريفي المعزول حيث يقيم مع زوجته -حسناء- وهي نفسها ابنة عالم آثار رحل منذ سنوات.
وتتضمن البردية معلومات عن طقوس سرية لو تمت ممارستها يمكن أن يصير الإنسان سيد أقداره ويتحرر من قيوده ويمتلك مصيره ويصبح هو نفسه الوجود كله "!!"
وهذا ما سوف يحاول تجريبه عالم الآثار "قدري" علي الشاب الغريب الذي يتم اصطياده واستضافته ثم تنويمه وإخضاعه لشعائر وطقوس تسلبه إرادته.. ويبدو أن هناك صفقة بين الزوج وبين الزوجة لو نجحت التجربة. ففي هذا الحالة يوقع لها علي عقد بيع المنزل الذي كان قد استولي عليه.
الغموض السلبي
الموضوع الذي انجذب إليه المخرج يتسم بالغموض فعلاً. والتساؤلات حوله قد لا تجد إجابة والتفسير الذي اجتهدت شخصياً في تقديمه هنا قد يبدو للبعض غير مقبول. ولكن الفيلم يفتح الباب لتأويلات كثيرة وفي النهاية أجده تجربة لافتة وإن كانت أقل جاذبية بالنسبة للمتفرج عن فيلمه "مربع داير" وهو أيضاً روائي قصير. وقد أتناوله في مناسبة أخري.
بطل الفيلم مؤلف روائي -وحيد مراد- انفصل عن زوجته وقرر أن يترك منزل الزوجية ويخرج في رحلة إلي المجهول.. وهو بصدد تأليف رواية عن "شاب كان يشعر بذنب كبير إزاء والده الذي استولي علي أمواله وتركه علي حافة الإفلاس. وكان يحاول أن يجد تبريرا لما فعله حتي يخرج من الكوابيس التي تحيل ليله إلي جحيم" والمؤلف لم يكمل الرواية علي ما يبدو فهو إذن شاب مأزوم. ويعيش هو نفسه جحيمه الخاص. وهو أيضاً شخصية ليست عادية قذفت بها المقادير إلي بيت عالم الآثار الذي يعاني بدوره من سجنه الخاص وكذلك الزوجة حسناء التي تستقبل الشاب وكأنها تتوقع قدومه. فكما نفهم من السياق السردي أنها اعتادت استقبال عابري الطريق بعد أن تتعطل بهم السيارة. وهي تعرف امكانية إصلاحها وكأن الأمر مدبر. وفيما يبدو أن التجربة التي خضع لها -وحيد- في هذا البيت تعرض لها غيره ولم تنجح. ففهم ذلك من حوار "حسناء" مع زوجها.
الشخصيات الثلاث الرئيسية في الفيلم شخصيات تبحث عن خلاص. وكلها شخصيات "مُبدعة" بشكل أو آخر. وأحدهما عالم الآثار محبوس في مقعده بعد إصابته في رحلة البحث عن "كتاب النجوم" الفرعوني وزوجته التي تزوجته قسرا. وحيدة ومحبوسة بدورها ومسلوبة الإرادة في علاقة مشوهة مع زوج تكرهه. يمتهن إنسانيته!
هؤلاء الثلاثة داخل هذا المنزل المعزول ينسجون عالما غريبا من الأوهام والغموض والشعائر والسلوك الملغز. فضلاً عن مظاهر تنبيء بأشياء غامضة.. وحقيقة الأمر أن الفيلم ينتهي دون أن يتمكن المتلقي من الإمساك بتفسير محدد أو فهم يبدد الغموض. فالفيلم يستعير خيوطا من نوعية فيلم الرعب. ومن أفلام الجريمة. ومن الخيال العلمي الغارق في الشطط. ومن الفلسفة المادية عن قدرة الإنسان علي التخلص من الآلهة والإمساك بمصيره وأشياء أخري.
وعلي الرغم من هذا الغموض المربك الذي يضع عراقيل أمام عملية التلقي إلا أن التجربة شيقة وتستحق الالتفات. وبالذات إلي اللغة السينمائية التي عالج بها المخرج حبكة الفيلم.
كذلك يلفت النظر أداء الممثلة هبة عبدالغني التي تبدو موهوبة وقادرة علي توظيف لغة الجسد وملامح الوجه وحركة الأصابع أثناء التدخين وطريقة صعودها السلالم وهو أداء يؤكد أن وراء هذه الممثلة المبتدئة مخرج صاحب خيال وقدرة علي استخدام أدواته.. كذلك أداء الممثل بطرس غالي المقنع.. خلق المخرج مساحات درامية مشوقة وقام بتوظيف جيد ل"السخرية الدرامية".
عند التمهيد إلي ما سوف ينتظر هذا الغريب وهو يتغزل في المشهد الطبيعي الذي تطل عليه الحجرة التي سيقيم فيها. وفي البردية المعلقة علي أحد جدرانها وكلها مؤشرات لمصير سييء لا يتوقعه
.
فالمخرج يتميز بقدرة علي خلق عالم خاص واستخدام مبدع لعنصر الإضاءة وهو في ذلك يستعيد تكنيك الفيلم الأسود "Film noir" وهو نوعية من الأفلام شاعت في الأربعينيات والخمسينيات وتعتمد علي لغة الإضاءة والاستخدام الموظف دراميا لمناطق الضوء والعتمة ثم التنويعات المرتبطة بذلك بما يتسق مع موضوع الفيلم ومع التأثير المطلوب منه.
واللافت أن للمخرج غراماً بهذه النوعية من الموضوعات "السوداء" تجدها في فيلم "مربع داير" وهو من أفلام الجريمة. ويتسم بالتشويق وبالإثارة واكتشاف مناطق سيكولوجية غير مألوفة.

مقالي عن فيلم سودربرج "عدوى" في "القاهرة" 1 نوفمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
فيلم أمريكي ينشر "عدوى" الخوف في مصر
** وباء غامض يجتاح العالم والأمريكيون يثورون على حكومتهم بسبب نقص الطعام والدواء
** سودربرج يتجنب تقديم نموذج "البطل" الهوليوودي المعتاد الذي ينقذ البشرية من الفناء
إذا كنت تظن الفيلم الأمريكي "عدوى"، المعروض حاليا في مصر، إنتاجا هوليووديا كبيرا كفيلا بإبهارك وإمتاعك بإمكانيات ومفاتن العدد الكبير من النجوم المشاركين فيه، فلا تذهب لمشاهدته، لأنك لن تجد ما تريد.. أما إذا كنت تبحث عن فيلم جاد، مختلف، يتناول قضية مهمة بلغة سينمائية راقية، فستجد فيه ضالتك.. فالفيلم يقوم على فكرة فلسفية عميقة ملخصها أن الخوف من الوباء قد يكون أخطر من الوباء نفسه، وأسرع انتشارا منه، ولذلك فإن المقصود من اسمه قد يكون "عدوى الخوف" وليس "عدوى المرض".
يحتاج الفيلم، وهو أحدث أعمال المخرج الأمريكي الكبير ستيفن سودربرج، إلى مشاهد متمرس، يتحلى بالصبر وسعة الصدر، ولديه الاستعداد لتلقي الشرائط السينمائية بطريقة سرد مختلفة عما اعتاد عليه من أفلام هوليوود، ويتمتع بالقدرة على تقبل مشاهد قد يراها الكثيرون صعبة وصادمة، مثل سلخ فروة رأس إحدى الجثث بآلة كهربائية لتشريح الدماغ، ومثل اللقطات المتكررة لجثث متخشبة تخرج الرغاوي من أفواهها.. فالفيلم يدور حول الانتشار العالمي السريع لوباء غامض وشرس يقتل ضحاياه خلال أيام قليلة من الإصابة به.. ويقوم السرد على تتبع مسار أول ضحية للوباء، وهي سيدة أمريكية (جوينيث بالترو) تنقل الفيروس من هونج كونج - حيث كانت في زيارة عمل - إلى بلادها.. وخلال 135 يوما فقط، يصيب الوباء معظم أنحاء العالم، ويحصد أرواح 26 مليون شخص من مختلف الدول، في سيناريو كارثي مقصود تماما من سودربرج وبقية صناع الفيلم، الذين يريدون أن ينبهوا إلى أن الأمراض والأوبئة ليست أقل خطورة من الحروب والصراعات، ويمكنها أن تتسبب في خسائر بشرية ومادية فادحة قد تفوق ما تسببه المواجهات المسلحة.
اليوم الثاني
يبدأ الفيلم من اليوم الثاني - وليس الأول - لظهور الوباء، ويستمر بين السرد العادي والفلاش باك حتى يقترب العدد من 140 يوما.. والجديد الذي يقدمه سودربرج أن الفلاش باك لا يتم عبر ذكريات إحدى الشخصيات، بل من خلال "السيديهات" التي تسجل تحركات السيدة الأمريكية في هونج كونج، والتي يفحصها الخبراء لكي يضعوا أيديهم على منشأ الوباء.. ولا يكشف المخرج عن سر اليوم الأول إلا في النهاية، حين يتضح أن فيروس الوباء تخلق من اتحاد فيروس قادم من الوطاويط مع آخر من الخنازير، وتصاب به السيدة الأمريكية بعد مصافحتها طاهيا أعد خنزيرا مصابا في وليمة احتفالية بهونج كونج.
يعيد "عدوى" إلى الأذهان الفيلم الأمريكي "آوت بريك"، الذي قدمه المخرج وولفجانج بيترسن عام 1995 من بطولة داستن هوفمان ورينيه روسو ومورجان فريمان، وكان يدور حول تفشي وباء "إيبولا" في ذلك الوقت.. لكن هناك اختلافات كبيرة بين الفيلمين تصب كلها في صالح فيلم سودربرج، حيث قام العمل القديم على البناء الهوليوودي التقليدي فيما يتعلق بأفلام الكوارث، والذي يتلخص في مقدمة تحتوي على تمهيد للكارثة وتقديم للشخصيات، ثم ذروة توضح حجم الكارثة وخطورتها، ثم خاتمة يتم فيها الانتصار على الوباء أو غيره من الكوارث.. والمهم في هذا البناء - من وجهة نظر صناع السينما الهوليوودية بالطبع - تقديم نموذج البطل الأمريكي الخارق الذي يتمكن، بقدراته الفائقة وذكائه الحاد، من مواجهة الكارثة وإنقاذ البشرية بمفرده.. والمهم أيضا تقديم نماذج إنسانية يتعاطف معها المشاهد، وتعريضها - خلال الذروة - للخطر، قبل إنقاذها في آخر لحظة بطريقة مثيرة لإحداث التأثير المطلوب، وحبذا لو كان من بينها من ترتبط بقصة حب مع البطل الخارق، حتى تكون الفرحة النهائية - بالحفاظ على حياتها وإنقاذ البشرية معا - فرحتين!
بناء مختلف
أما فيلم سودربرج، فيقوم على بناء مغاير تماما، شأن أفلامه السابقة المميزة، وأبرزها "ترافيك" عن تجارة المخدرات على الحدود الأمريكية - المكسيكية، و"إيرين بروكوفيتش" عن المياه الملوثة القاتلة في إحدى الولايات الأمريكية.. فقد اختار المخرج، الكبير مقاما والصغير سنا (48 عاما)، أن يعتمد في "عدوى" على أسلوب يقترب من التسجيل في الأفلام الوثائقية، حيث يتتبع يوميات انتشار الوباء والجهود العلمية والأمنية والسياسية لمكافحته من دون أن يشغل نفسه بالقوالب والكليشيهات الهوليوودية الجاهزة.. فلا توجد قصة حب ولا أي علاقة إنسانية أخرى من الممكن التعاطف معها والانشغال عن قضية الفيلم الأساسية، ولا توجد نماذج بشرية تتعرض لخطر الوباء ويجري إنقاذها في النهاية بأسلوب التشويق الهوليوودي المعهود، رغم مشاركة ستة من كبار النجوم في بطولة الفيلم.
وقد بدت لي هذه المشاركة تقديرا من هؤلاء النجوم لسودربرج وأهمية القضية التي يطرحها فيلمه، لأن الأدوار صغيرة ومختلفة تماما عما اعتادوه من "بطولة" في الأفلام الأخرى.. لدينا، على سبيل المثال، كيت وينسلت في دور طبيبة المكافحة التي تصاب بالوباء لمخالطتها المرضى، وتموت بكل بساطة مثلهم من دون أي تهافت درامي أو أي محاولة للعب بمشاعر المشاهدين ودفعهم للتعلق بأمل نجاتها.. وينسحب الأمر على بالترو، التي تؤدي دور أول ضحية للوباء، حيث تموت في الدقائق الأولى للفيلم ويقتصر ظهورها بعد ذلك على الفلاش باك.. كما ينسحب على مات ديمون في دور زوجها الذي يتمزق بين حزنه عليها وبين شكه في خيانتها له قبل وفاتها، وعلى لورانس فيشبيرن في دور رئيس مركز المكافحة، و"جود لو" في دور الصحفي والمدون المستقل الذي يفضح قصور إدارة الحكومة الأمريكية للأزمة، وماريون كوتييار في دور العالمة التي تذهب في مهمة استكشاف علمية إلى هونج كونج وتختطفها مجموعة من المصابين الصينيين بالوباء لضمان لفت النظر إليهم وحصولهم على العلاج اللازم.
بلا أبطال
والأهم أن سودربرج لا يشغل نفسه ولا مشاهدي فيلمه بنموذج البطل الأمريكي المعتاد الذي يكون له "فضل" إنقاذ البشرية من الفناء، بل لا يوجد في الفيلم أصلا أبطال بالمعنى السينمائي المفهوم.. وحتى عندما يتوصل الفريق الأمريكي إلى مصل للمرض، فإن ذلك لا يتم إلا بعد أن يتمكن الوباء من العالم ويزهق أرواح 26 مليون شخص، في إشارة واضحة إلى العجز الأمريكي في مواجهة القضايا الدولية الكبرى.
ويقودنا ذلك إلى بيت القصيد في الفيلم، وأهم محاوره، وهو تشريح المجتمع الأمريكي، وفضح أداء حكومته، حيث يمتد الفشل في إدارة الأزمة إلى داخل الولايات المتحدة، وتسود الفوضى معظم المدن المصابة بعد اكتشاف المواطنين نقص الطعام والأدوية المعالجة والبطاطين وغيرها من مواد الإغاثة، بل نفهم من حوار بين اثنين من المسئولين أن هناك نقصا حتى في أكياس حفظ الجثث.. ومع استمرار الأزمة، تتحول الفوضى إلى أعمال شغب عنيفة، حيث يقتحم المواطنون الغاضبون الصيدليات ومراكز المكافحة ويكسرون في طريقهم كل شيء بحثا عن الأدوية، بل يقتحمون منازل مسئولي هذه المراكز ظنا منهم أنهم يخبئون فيها الأمصال ليختصوا أقاربهم بها.. والغريب أن ذلك هو ما يحدث بالفعل، حيث يتجاوز رئيس مراكز المكافحة الترتيب المقرر لتطعيم المواطنين بالمصل ويعطيه لذويه قبل حلول دورهم بأشهر عديدة، مما يعني معاناة الولايات المتحدة من أمراض العالم الثالث مثل الواسطة والمحسوبية!
قدم سودربرج فيلما صعب التنفيذ، احتاج للتصوير في عدة مدن حول العالم، وقام على عدد لانهائي من التفاصيل الدقيقة التي توضح كيفية تطور الفيروس وانتقاله من شخص إلى آخر، والتي تطلبت عشرات اللقطات للأيدي والأفواه والأكواب والمقابض وكل ما يمكنه نقل العدوى، مما جعل المونتاج العنصر التقني الملحوظ في الفيلم، بعد نجاح سودربرج والمونتير في القطع بين هذه اللقطات بمهارة واقتدار

مقالي عن فيلم "إكس لارج" في "القاهرة" 22 نوفمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"إكس لارج".. ملح السيناريو يفسد كعكة الفيلم
** أحداث غير منطقية تصيب المشاهد بالارتباك في نهاية العمل بلا أي مبرر درامي
** شريف عرفة يغير جلده.. وحلمي يبذل مجهودا خرافيا.. ودنيا تتراجع عن مستواها
أثناء مشاهدة "إكس لارج"، يكون كل شيء جميلا وممتعا حتى الجزء الأخير من الفيلم، حين تشعر أنه تم رش الملح على الكعكة الشهية من دون مبرر أو سبب، لتفسد وتضيع حلاوتها.. كنت شخصيا أجلس سعيدا في صالة العرض، مقتنعا بأنني إزاء أنجح محاولة مصرية لعمل الكوميديا الرومانسية، النوع السينمائي الذي يستعصى علينا مثل الخيال العلمي، وتبرع دول مثل الولايات المتحدة في صنعه.. وليس هناك سبب مفهوم لذلك، فالكوميديا الرومانسية لا تحتاج إلى إمكانيات أو تكنولوجيا متقدمة كالخيال العلمي، وكل ما تتطلبه: فكرة شيقة جيدة وسيناريو محكم متماسك يعتني برسم الشخصيات ويتعمق في علاقاتها ببعضها البعض، ثم إخراج رشيق وأداء تمثيلي راق.
كان "إكس لارج" يمتلك كل ذلك حتى الجزء الأخير، حين ترد جملة حوارية على لسان بطلته "دينا" (دنيا سمير غانم) لتهدم كل ما سبقها، وتجعلنا نشعر أننا إزاء فيلم آخر، غير ذلك الذي أحببناه وتفاعلنا معه على مدى ثلثي مدة العرض على الشاشة.. كما يطرأ تغير جذري غير مبرر ولا مفهوم على الإطلاق على شخصية الخال "عزمي" (إبراهيم نصر)، يجعلنا بدوره نفقد البوصلة التي نبحر بها في الفيلم، ونفقد التعاطف مع الشخصية التي أداها الممثل الكبير بحميمية واقتدار.
يستوحي السيناريست أيمن بهجت قمر شخصية بطله رسام الكاريكاتير البدين "مجدي" (أحمد حلمي) من فنانين عباقرة ومحبوبين راحلين، يتسمون بالبدانة وخفة الظل، ومنهم صلاح جاهين وكامل الشناوي، ووالده الكاتب الكبير الراحل بهجت قمر، حيث يرسم ملامح "مجدي" على شاكلتهم: موهوبا خفيف الدم وموضع ثقة أصدقائه، الذين يطلعونه على أدق تفاصيل حياتهم الشخصية ويستشيرونه فيها، بمن فيهم النساء المتزوجات، اللاتي يعتبرنه "أختا أو صديقة"، ويلجأن إليه شاكيات من أزواجهم، من دون أن يعبأ أحد بشكواه أو مأساته هو.. حتى الصديقة غير المتزوجة (إيمي سمير غانم) تشركه في محاولاتها المحمومة للعثور على عريس من دون أن تفكر فيه أو تضع في الاعتبار أنه يعاني من نفس مشكلتها.
إنسان وحيد
وهنا يكمن مفتاح الشخصية: الوحدة، فنحن إزاء شخص وحيد مهما تعدد أصدقاؤه وزملاؤه، يعود آخر النهار إلى بيته ليقضي الليل حبيس وحدته وجسده البدين، ولا يؤنس وحدته سوى "اللاب توب" - الذي يفتح له عالم مواقع التواصل الاجتماعي - وخاله، البدين بدوره، الذي يزوره بين الحين والآخر حاملا ما اجتمع الاثنان على حبه: الطعام.. وقد عبر المخرج شريف عرفة عن هذه الوحدة في واحد من أجمل مشاهد الفيلم، يتناول خلاله البطل إفطار رمضان واقفا في الشرفة وهو يتابع جيرانه - بمن فيهم البواب وأسرته - وهم يفطرون سويا في الجو الأسري الحميم الذي حرمته ظروفه منه.
وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، يجد "مجدي" ضالته، ويتوصل إلى الحبيبة التي يمكن أن تشاركه حياته، وهي "دينا"، صديقة طفولته التي سافرت منذ سنوات بعيدة إلى الخليج، وتستعد للعودة إلى مصر لاستكمال دراستها العليا، وتريد أن يكون أول من تقابله لدى وصولها إلى القاهرة.. لكنه يجبن عن مواجهتها بوزنه الزائد وجسده المترهل، ويقدم نفسه إليها على أنه ابن عمه.. وتتوالى الأحداث ليزداد تعلق الاثنين ببعضهما البعض، وتأتي اللحظة التي تعرف فيها الفتاة الحقيقة، ويصبح "مجدي" مطالبا بالتوقف عن الأكل وخفض وزنه، إلا أنه يرفض، في مشهد اختار شريف عرفة أن يحاكي خطاب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، والذي ألقاه عمر سليمان، وبدلا من الرجل الشهير الواقف خلف سليمان، وضع المخرج البواب (محمد شرف) خلف أحمد حلمي!
ولا يفيق البطل ويقرر تغيير حياته إلا بعد أن يفقد خاله، الذي يموت متأثرا بمضاعفات السمنة، ويكاد أن يفقد حبيبته، التي ترفض أن ترتبط بشخص لا يتحلى بالإرادة.. كان من الممكن أن تتوقف حبكة الفيلم الدرامية عند هذا الحد، وكان ذلك في رأيي كافيا جدا لعمل فيلم جيد وغير منقوص، لكن صناع "إكس لارج" - وعلى رأسهم السيناريست - يفاجئوننا بتطورات غير منطقية بالنسبة لأحداث الفيلم، وخطوط درامية جديدة لا تتفق والخط الرئيسي للعمل، ومن شأنها إبعادنا وتشتيتنا عنه.. حيث يتضح فجأة أن السمنة هي موضوع رسالة "دينا" لنيل الماجستير، وتقول ل"مجدي" بكل قسوة إنه لم يكن بالنسبة لها سوى حالة تدرسها في إطار رسالتها.. ثم نعرف بعد ذلك - ويا للعجب - أن الخال هو من طلب منها - سرا - أن تقول له ذلك لكي ينتفض ويبدأ مسيرة خفض وزنه وتغيير حياته، بعد أن أبلغها بأن "مجدي" هو نفسه ابن عمه المزعوم!
تحول عجيب
ومصدر العجب هنا أن هذا الخال، الذي يضع خطة سرية محكمة لإنقاذ ابن شقيقته من مصيره، ليس هو الخال الذي تعرفنا عليه منذ بداية الفيلم، والذي لم يكن يفعل شيئا سوى التهام الطعام مع ابن شقيقته، وتشجيعه على تناول المزيد من الطعام، حيث لم يكن يزوره سوى حاملا شيئا ضخما يؤكل، العشرات من أرغفة "الفينو"، صينية عملاقة من البطاطس بالدجاج، أو كرتونتين من البيض يأكلهما الرجلان في وجبة واحدة.. وما أقصده أن الخال الذي تم رسمه وتقديمه لنا، لم يكن يعنيه من قريب أو بعيد أن يفقد ابن شقيقته وزنه، بل كان يشجعه على أن يبقى بدينا قائلا له إن البدناء دائما من العباقرة العظماء، مثل صلاح جاهين وكامل الشناوي، وإن الفتاة التي ستكن له حبا حقيقيا، لن يعنيها ما إذا كان سمينا أم لا.. بل أنه ليست هناك جملة حوار واحدة يقولها الخال للبطل بما معناه أنه من الأفضل أن يفقد وزنه، أو أنه يخشى عليه من مضاعفات السمنة التي يعاني هو شخصيا منها.. فكيف نصدق أنه من الممكن أن يتحول فجأة بعد ذلك لكي يصبح "ريجيم" ابن شقيقته شغله الشاغل، إلى درجة أنه يهدده بمقاطعته نهائيا إذا لم "يخس"؟
لم يكن هناك إذن أي تمهيد درامي للتحول الجذري الذي يطرأ على شخصية الخال، ولا لمفاجأة "دينا" الدراسية، مما يجعل المشاهد تائها في الجزء الأخير من العمل، يبحث بلا جدوى عن الفيلم الذي أحبه وتعلق به.. ويؤدي ذلك للأسف إلى إضعاف نهاية الفيلم، وعدم تفاعل المشاهد معها، خاصة أن العمل كله يعاني من بعض التطويل، وتتجاوز مدة عرضه ساعتين من دون داع، حيث كان من الممكن حذف نحو ربع ساعة منه بلا تأثير على الدراما أو تسلسل الأحداث.
عيب واضح
ورغم ذلك، يظل "إكس لارج" من أفضل المحاولات المصرية لصناعة الكوميديا الرومانسية، ومن أفضل أفلام المخرج شريف عرفة، الذي نراه هنا يعمل بطريقة مختلفة، أكثر حيوية وشبابا، ويستخدم تقنيات لم يكن معتادا عليها، مثل تقسيم الشاشة إلى أكثر من كادر، من دون محاولة للاستعراض التقني بالإكثار من حركة الكاميرا وألاعيب المونتاج كما كان يفعل في أفلامه السابقة.. ويؤخذ على المخرج أنه لم يتنبه لعيب واضح بمنطقة الوجه في ماكياج البدانة الذي يضعه أحمد حلمي، رغم أنه يستمر طوال الوقت على الشاشة، ويتمثل في فارق ملحوظ بين وجه حلمي وزائدة الماكياج عند الذقن.
ويشهد الفيلم أفضل أداء تمثيلي لأحمد حلمي في تاريخه، فقد قدم الدور بفهم وحساسية وعمق رغم أنه محروم من التعبير والأداء بواحد من أهم أسلحته: جسده الرشيق وحركته السريعة.. كما بذل مجهودا خرافيا في التمثيل مع تحمل الزوائد الجسدية الملتصقة به طوال الوقت، وبدا هذا المجهود واضحا في مشهد الملهى الليلي الذي أدى فيه رقصة صعبة - بماكياجه الثقيل - لا يمكن إتقانها إلا بالكثير من التدريب.. أما دنيا سمير غانم، فلم تكن في حالتها الفنية الجيدة المعهودة، ولم تستطع أن تنسجم مع أجواء الفيلم، حيث بدت طوال الوقت كأنها ضيفة عليه.. ولا تفسير لذلك - كما سبق أن أشرنا - سوى عدم حصول الشخصية التي أدتها على حقها من الرسم والتعميق في السيناريو.
ويحسب لصناع "إكس لارج" أنهم لم يأتوا ب"ملاحة 25 يناير" لكي يرشوا بعضا من الثورة على أحداث فيلمهم، بل تم التعبير بطريقة غير مباشرة عن الشباب المصري الذي ينتفض ثائرا على نفسه وعلى أوضاعه من خلال رمز الشاب البدين الذي يتمكن من تغيير واقعه وكسر قيود وحدته وإحباطه، فيما يرمز الخال العجوز إلى الجيل القديم الذي يفشل في ذلك فيرحل مفسحا الطريق للأجيال الجديدة

مقالي عن فيلم "تحرير 2011" في "القاهرة" 13 ديسمبر 2011


أسامة عبد الفتاح يكتب:

"تحرير 2011".. الثورة تصل إلى السينما أخيرا

** رؤية متزنة وتوثيق مهم لثورة يناير.. ومحاولة تاريخية نادرة لكسر "تابوه" الشرطة والاستماع لضباطها

** "الشرس" أفضل الأجزاء الثلاثة.. و"السياسي" أضعفها لأنه أقرب إلى البرنامج التليفزيوني الساخر

بعد عام الثورة الصاخب، الذي أثرت خلاله الأحداث السياسية المتلاحقة بالسلب على صناعة السينما، جاءت نهايات 2011 - وتحديدا يوم الأربعاء الماضي - لتحمل بعض الأنباء السارة للسينما المصرية.. ففي ذلك اليوم، بدأ عرض فيلمين مصريين مهمين حققا العديد من النجاحات الدولية: الروائي "أسماء" والوثائقي "تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي".. والأهم أن اليوم المذكور شهد، أخيرا، وصول روح ثورة 25 يناير وبشائر التغيير التي تحملها إلى السينما، بعد أن ظلت تلك الأخيرة بعيدة كل البعد عما يجري في مصر من متغيرات.

ولا يكمن وصول الثورة للسينما بالطبع في تناول "تحرير 2011" لأحداثها، بل في شجاعة التغيير التي تحلى بها منتجو وموزعو الفيلم ودفعتهم لعرضه تجاريا - وإن كان في ثلاث صالات فقط - في مواجهة الأفلام الروائية، في سابقة شديدة الندرة بتاريخ السينما المصرية.. وهنا لا أريد أن أقطع بأنه أول فيلم وثائقي مصري يعرض تجاريا، وأعتقد أن هذه المعلومة في حاجة لبحث دقيق - ليس هنا مجاله - لتأكيدها.

يتكون "تحرير 2011" من ثلاثة أجزاء تعرض في ساعة ونصف الساعة تقريبا: "الطيب"، والمقصود به الشعب المصري، من إخراج تامر عزت، و"الشرس"، في إشارة لجهاز الشرطة، من إخراج آيتن أمين، و"السياسي"، الذي يركز على الرئيس المخلوع حسني مبارك، من إخراج عمرو سلامة.. وبشكل عام، يعد الفيلم توثيقا سينمائيا مهما لثورة يناير سيحفظه التاريخ الذي لا يعترف بنشرات الأخبار، كما يقدم رؤية متزنة هادئة ليوميات وأحداث الثورة بعيدا عن التشنج السياسي ومحاولة استدرار تعاطف الجمهور بالمشاهد المؤثرة للشهداء والمصابين وعمليات الاعتداء المتعمد عليهم.. لكن ذلك لا يمنع أن عيون المشاهدين من الممكن أن تدمع - كما حدث معي - تأثرا بعظمة المصريين التي ينجح الفيلم في التعبير عنها من دون ادعاء أو "زعيق" سينمائي يجيد مخرجون آخرون ممارسته.

يوميات وشهادات

وفي إطار هذه الرؤية المتزنة، يسرد جزء "الطيب" يوميات الثورة من خلال شهادات عدد من أبطالها جرى اختياره بعناية شديدة ليعبر عن كافة التيارات والفئات التي شاركت في الثورة من دون الانحياز لإحداها على حساب الأخرى، في توازن يثير الإعجاب حقا.. فقد تابعت كاميرا تامر عزت واستمعت لأحد شباب الإخوان المسلمين، وناشطة ليبرالية "سافرة"، ومصور شاب قطع منحته لدراسة التصوير الصحفي في الدنمارك ليعود إلى مصر ويسجل مشاهد الثورة بالكاميرا، وطبيبة "محجبة" شاركت في إسعاف الجرحى بالمستشفى الميداني الذي أقيم خلال الثورة في زاوية مخصصة أصلا للصلاة.

وقد أعجبني أسلوب القطع المتوازي الذي استخدمه تامر - بمهارة مهنة المونتير التي يجيدها ومارسها في فيلمي "المدينة" و"المسافر" - للتنقل بين الشهادات في وقت تصوير الفيلم وبين اللقطات الحقيقية وقت حدوثها، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها "الجزّامة" المستخدمة لوضع الأحذية في المسجد، والتي تشير إليها الطبيبة لتقول إنها استخدمت لحفظ الأدوات الطبية خلال الثورة، فيقطع المخرج عليها لنراها ممتلئة بهذه الأدوات وقت الأحداث.

أما الجزء الثاني، المسمى "الشرس"، فهو أفضل أجزاء الفيلم الثلاثة، ليس لتفوقه التقني، فالجزء الأول أفضل تقنيا، ولكن لفكرته الجيدة، وجرأته، وإقدامه على كسر "تابوه" تقليدي في حياة المصريين، وهو جهاز الشرطة، خاصة الأمن المركزي، بكل اللغط الذي أثير حوله، وكل الانتقادات التي وجهت له أثناء وبعد الثورة.. وهذه محاولة تاريخية نادرة للاقتراب من هذا الجهاز الحساس، وسبر أغواره، ومنح ضباطه فرصة التعبير - وليس الدفاع - عن أنفسهم، والإنصات جيدا لهم، بدلا من الاكتفاء بمهاجمتهم وانتقادهم بشكل جماعي وكأنهم كتلة واحدة صماء لا سبيل لتفتيتها.

نهاية موحية

ورغم أن ضابطين فقط يظهران بوجهيهما في الفيلم، أحدهما من جيل الشباب والآخر من جيل الوسط، ورغم أنه يجري تغطية وجهي ضابطين آخرين رفضا الإفصاح عن شخصيتيهما بالشاشة المظلمة و"الكاشات" البصرية، إلا أن ذلك لا يضايق المشاهد، بفضل المضمون القوي، والحوار الجيد الذي أدارته آيتن أمين، ولقطات أحداث الثورة التي تقطع عليها المخرجة أثناء حديث الضباط، وكأنها تعلق على كلامهم سلبا أو إيجابا.

واختارت آيتن نهاية موحية ومعبرة للجزء الخاص بها، حيث تسأل الضابط ذا الوجه المظلم عن ضرب البلطجية، فيفهم السؤال بطريقة مجازية، ويرد قائلا إن ضربهم ضروري لإحلال الأمن، فتعود لتوضح أنها تقصد الضرب الجسدي، فيصمت الضابط طويلا ثم يبتسم قائلا: "ماعرفش"، لتنهي المخرجة تحقيقها السينمائي، ولتظل معضلة الشرطة قائمة إلى حين إعادة هيكلة هذا الجهاز الحيوي.

ويعد الجزء الثالث، الذي أخرجه عمرو سلامة بعنوان "السياسي"، أضعف أجزاء الفيلم، وأقلها تأثيرا، بل يبدو غريبا عن العمل ككل، لأنه ينتقل فجأة من الأسلوب الوثائقي التسجيلي المتبع في الجزءين الآخرين، إلى أساليب البرامج التليفزيونية الساخرة الشائعة في القنوات الفضائية، وكأنه اختار طواعية التخلي عن اللغة السينمائية - المطلوبة في مثل هذا النوع من الأفلام - من أجل صناعة كوميديا سهلة قائمة على النكات والقفشات والصور المركبة المنتشرة في مواقع الإنترنت، إلى درجة أنه يضطر لكتابة عبارة "محتوى من الإنترنت" عليها من باب الأمانة، فضلا عن المسرحيات الكوميدية التي يستخدم لقطات منها هي الأخرى.



شخصيات محروقة

يتناول هذا الجزء شخصية الرئيس المخلوع حسني مبارك، ويتساءل عن سر تحوله إلى ديكتاتور رغم المؤشرات الإيجابية المشجعة في بداية حكمه، مثل إفراجه عن المعتقلين السياسيين وإعلانه أنه لن يبقى في الحكم أكثر من فترتين.. ثم يحدد المخرج، من وجهة نظره الشخصية، عشر خطوات - معظمها ساخر - قادت مبارك إلى طريق الديكتاتورية.. لكن المشكلة أن ذلك يتم بخفة شديدة لا تتناسب مع جدية الحدث، ولا مع باقي الفيلم الذي من المفترض أن يكون هذا الجزء الثالث مكملا له وخاتمة لأحداثه، حتى وإن كان منفصلا، ولو لم يكن هذا التكامل مطلوبا، لما وضعت الأجزاء الثلاثة في فيلم واحد، ولقدم كل مخرج فيلمه مستقلا.. كما كنت أفضل أن يكون عنوان هذا الجزء "الديكتاتور" بدلا من "السياسي"، لأن الحديث كله يدور عن ديكتاتور لا يتمتع بحس السياسي.

ويلجأ عمرو إلى شهادات عدد من الساسة والكتاب والأطباء النفسيين للتأكيد على وجهة نظره، ولا غبار على ذلك بالطبع، غير أن هذا الاختيار يؤكد للأسف الطابع التليفزيوني لهذا الجزء، لأن المصادر التي يلجأ إليها من الشخصيات "المحروقة" إعلاميا التي تظهر باستمرار في القنوات الفضائية، بعكس الشخصيات البكر التي يقدمها الجزآن الآخران، والتي تجعل متابعتهما ممتعة لأن هناك ترقبا دائما لما تقوله مصادرهما، في حين أن آراء شخصيات الجزء الثالث - ومنها الدكاترة محمد البرادعي ومصطفى الفقي ويحيى الرخاوي - معروفة سلفا وقيلت في أكثر من مناسبة سابقة.

ورغم هذه الملاحظات، يظل "تحرير 2011" من أفضل وأهم أفلام هذا العام، ومن أنضج الأعمال الفنية التي تعرضت لثورة يناير، لأنه يحاول أن يكون موضوعيا، وينجح في ذلك إلى حد كبير، بالنظر إلى صعوبة الموضوعية عند التطرق لقضية محسومة عاطفيا وسياسيا

مقالي عن فيلم "أسماء" في "القاهرة" 20 ديسمبر 2011


أسامة عبد الفتاح يكتب:

"أسماء".. أهم الأفلام المصرية في 2011

** دعوة للخروج إلى النور ومواجهة "عقدنا" ومشكلاتنا.. ودعوة أهم لقبول الآخر

من الممكن أن يكون لك - مثلي - ملاحظات فنية على فيلم "أسماء"، للمخرج والسيناريست عمرو سلامة، لكن من الصعب أن تختلف على أهميته، خاصة في هذا التوقيت التاريخي الذي يخوض فيه المصريون معركة تقرير المصير، ورسم ملامح المستقبل، والذي يخوضون فيه أيضا عدة اختبارات تتعلق بمدى قدرتهم على قبول الآخر، والأهم: مدى قدرتهم على مواجهة ومصارحة أنفسهم بأزماتهم ومشكلاتهم وعقدهم النفسية التي تراكمت عبر سنين من القهر والخوف.

"أسماء" ليس مجرد فيلم عن امرأة مصابة بمرض انهيار المناعة المكتسبة (الإيدز) وتسعى للحصول على حقها في العلاج، سواء منه أو من آلام المرارة المبرحة، بل ينطلق سلامة من هذه القصة البسيطة، التي يقول التتر بوضوح إنها قائمة على واقعة حقيقية، ليطرح أسئلة أعمق وأشمل عن المجتمع الذي تعيش فيه هذه السيدة، بدءا بأسرتها الصغيرة ووصولا إلى الوطن الكبير.. وبدا ذلك واضحا في النهاية، حين تفرغ بطلة المأساة (هند صبري) من مواجهة كل المصريين في برنامج "توك شو" فضائي، لتعود إلى مجتمعها الصغير وتواجه أسرتها وجيرانها الذين تحلقوا حولها بنظرات الذهول والدهشة، فيما ارتسمت على وجهها ابتسامة أمل من الممكن وصفها بأنها يائسة.

ومن فرط وضوح رسالة الفيلم والغرض الحقيقي من صنعه، بعيدا عن قصة مريضة الإيدز، من الممكن اتهامه بأنه مباشر، حيث توجه البطلة حديثها إلى المشاهدين، خلال البرنامج الفضائي، قائلة: "لو مت، فلن أموت من المرض الذي أعاني منه، بل من المرض الذي تعانون منه أنتم"، في إشارة للخوف والأنانية، والهروب من مواجهة الذات، والتواطؤ الجماعي على رفض كل آخر، ونبذ كل مختلف.. ويحفل الفيلم بالإشارات إلى هذه الأمراض المجتمعية، حيث يرفض جميع الأطباء والمستشفيات إجراء عملية المرارة لها خوفا من انتقال العدوى، كما يرفض زملاؤها في العمل بقاءها وسطهم لنفس السبب، مما يؤدي لفصلها.

تعبير بليغ

وقد أعجبني المشهد الذي تلقي لها فيه إحدى الزميلات بمبلغ من المال، تم جمعه لمساعدتها، على الأرض خشية ملامستها.. والمعتاد - كلاسيكيا - في مثل هذه المشاهد أن ترفض البطلة قبول المال بإباء وشمم وتنصرف، إلا أن سلامة يختار ما هو أفضل، حيث تنحني "أسماء" لتلتقط النقود، إلا أنها تقرر أن تشتري بها كلها مسكنات من إحدى الصيدليات، في تعبير سينمائي بليغ عن أن مساعدة المجتمع الشكلية لمثل هؤلاء المصابين قد تكون مسكنا مؤقتا لآلامهم، لكنها لا تكفي لحل مشكلاتهم، ولا تعد مساندة حقيقية لهم.

تأثر عمرو سلامة في بناء جزء كبير من فيلمه ببناء فيلم الأوسكار الشهير "المليونير المتشرد"، للمخرج داني بويل، والذي يقوم على استعراض أجزاء من حياة البطل أثناء خوضه مسابقات النسخة الهندية من البرنامج التليفزيوني "من سيربح المليون"، مما يتطلب الكثير من مشاهد العودة للماضي (فلاش باك)، وهو ما يحدث بالضبط في "أسماء"، حيث يتم العودة كثيرا لمشاهد من ماضيها أثناء استضافتها في برنامج التوك شو، بل أن الفيلم يقوم بشكل عام على "الفلاش باك".. والمشكلة أن ذلك لا يتم بالدقة المطلوبة في بعض المشاهد التي تسبق البرنامج، مما يجعل المتفرج في حيرة من أمره، يتساءل: هل ما يراه يحدث في الحاضر أم الماضي؟

وكما يستعرض "المليونير المتشرد" كواليس "من سيربح المليون" ويجعل من مذيعه شخصية أساسية تشارك في تحريك الأحداث، يحدث الشيء نفسه في "أسماء"، حيث ندخل كواليس البرنامج الفضائي مع مذيعه (ماجد الكدواني)، الذي يتحول إلى شخصية محورية تساهم في كسر عزلة البطلة، ويكون أحد عوامل إقناعها بالظهور في البرنامج لمواجهة الناس والإعلان عن مأساتها.

ميراث الخوف

وبعد أن طلبت "أسماء" إخفاء وجهها خلال البرنامج تحت وطأة الخوف التقليدي من "كلام الناس" وتأثير الفضيحة على أسرتها، تثور على ميراث الخوف عندما تدرك أنه وصل لابنتها - التي تتصل بالبرنامج وترفض الإفصاح عن شخصية والدتها - وتطلب من المذيع إضاءة وجهها، في دعوة مباشرة للخروج إلى النور ومواجهة مشكلاتنا، والتخلص إلى الأبد من النعامة الشهيرة التي تدفن رأسها في الرمال.

ويجعلني مضمون الفيلم أعتبره أهم عمل سينمائي مصري في 2011، ولا يعني ذلك أنه الأفضل، وليس من الضروري أن يكون الأفضل، فالمهم أن رسالته جاءت في الوقت المناسب الذي يحتاج خلاله المصريون إلى وقفة صادقة مع النفس، وإلى تعلم قبول الآخر، حتى لو كان "علمانيا كافرا" من وجهة نظر المتأسلمين، أو "إرهابيا متطرفا" من وجهة نظر الليبراليين.

قدم عمرو سلامة فيلما متماسكا إلى حد كبير، وإن أهمل الرسم الجيد لبعض الشخصيات، خاصة الأب الذي لا توجد مبررات درامية كافية لردود أفعاله، ولم ينقذ الشخصية سوى الأداء الجيد للممثل سيد رجب.. وهناك شخصيات زملاء البطلة في الجمعية الأهلية التي تساعدهم على تقبل المرض والتعايش معه، والذين يبدون جميعا وكأنهم قطعوا من أشجار، من دون أي عمق أو أبعاد إضافية.. كما عاب الفيلم اللجوء إلى دراما الصدفة في العديد من المواقف، مثل اكتشاف البطلة علاقة ابنتها الغرامية بأحد الشباب أثناء سيرها في الشارع.

حكم صائب

أما هند صبري، فبذلت مجهودا كبيرا وملحوظا في أداء الشخصية، ولعل ذلك ما دفع الكثيرين إلى ترشيحها لجائزة أفضل ممثلة في مهرجان أبو ظبي السينمائي الأخير.. والحق أنه يصعب على المرء أن ينتقد أداءها بعد أن بذلت هذا المجهود، لكن الحقيقة أن الشخصية أفلتت منها في العديد من المشاهد، حيث أدتها بأكثر من أسلوب وأكثر من طبقة صوت وأكثر من إحساس.. صحيح أن الشخصية تمر بأكثر من مرحلة وأكثر من تحول، لكن ذلك لا يعني أن ينفصل أداء كل مرحلة تماما عن المرحلة التي تليها، بل يفترض أن يكون هناك إحساس واحد يربط بين كل المراحل.. ويدفعني ذلك إلى القول بأن حكم لجنة تحكيم أبو ظبي صائب، رغم أنني لم أشاهد أفلام مسابقة المهرجان الأخرى، لأن أداء هند في هذا الفيلم لا يستحق جائزة في أي مهرجان.

والحكم الصائب الآخر لهذه اللجنة يتعلق بماجد الكدواني، الذي فاز بجائزة أفضل ممثل عن جدارة واستحقاق، فقد أدى باقتدار دور مذيع برنامج التوك شو الفضائي، ولم تفلت منه الشخصية لحظة واحدة، حيث حولها إلى شخصية من لحم ودم، من دون أن يتأثر أو يقلد طريقة مذيعي البرامج الفضائية المتواجدين على الساحة كما يفعل العديد من الممثلين

مقالي عن فيلم "ليلة رأس السنة" في "القاهرة" 27 ديسمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"ليلة رأس السنة".. رسالة أمل في العام الجديد
** دعوة للتمرد على رتابة الواقع والعمل على تحقيق الأمنيات من صاحب "امرأة جميلة" و"عيد الحب"
** كثرة "الأعطال" في الفيلم ترمز إلى المشكلات التي تواجهنا والوقفة التي يجب أن يجريها المرء مع نفسه إذا تعرض لأزمة
يؤدي الفيلم الأمريكي "ليلة رأس السنة"، المعروض حاليا في القاهرة، المهمة التي صنع من أجلها بامتياز، حيث ينقل لمشاهديه الشعور بالأمل والتفاؤل، والذي قصد المخرج الكبير جاري مارشال وباقي صناع الفيلم التأكيد عليه ونحن نستعد لاستقبال عام جديد.. ولا يكتفي الفيلم بذلك، حيث يحقق أيضا لهؤلاء المشاهدين المتعة السينمائية المطلوبة - والأصل في صناعة الفن السابع - بالاستعانة بمجموعة ضخمة من كبار النجوم الذين فاز معظمهم بجوائز أوسكار، ومنهم روبرت دي نيرو وهيلاري سوانك وهال بيري وميشيل فايفر وسارة جيسيكا باركر والمطرب جون بون جوفي، بالإضافة لنجوم من الشباب المحبوبين مثل أشتون كوتشر وزاك إيفرون وكاثرين هيجل وجيسيكا بيل.
ولضمان توصيل الرسالة وتحقيق المتعة معا، ليس فقط في أمريكا ولكن في العالم كله، يختار مارشال أن يقدم فيلمه في قالب رومانسي / كوميدي بسيط وشجي وعائلي أيضا، وهو قالب يجيده ويكاد أن يكون متخصصا فيه منذ قدم تحفته "امرأة جميلة"، من بطولة جوليا روبرتس وريتشارد جير، عام 1990.. كما حرص - وبعناية شديدة - على أن يخلو عمله من أي مشاهد أو حتى ألفاظ خادشة للحياء ليستطيع كل أفراد الأسرة مشاهدته، من الصغار إلى الكبار.. فمن السهل جدا ملاحظة أن الفيلم يخلو من التعبيرات السوقية الأمريكية الشهيرة جدا حول العالم، ويعكس ذلك في رأيي تفوقا وثقة في النفس، فالمخرج الكبير يعتمد على الدراما القوية المتماسكة، وليس على البهارات الهوليوودية المألوفة.
ينتمي الفيلم إلى الدراما الأفقية، أو المستعرضة، التي تقوم على العديد من الخطوط الدرامية، والعديد من الشخصيات التي يجمع بينها زمان واحد، أو مكان واحد، أو حدث واحد.. والأفلام في هذه الحالة تكون مثل اللوحات التأثيرية، التي لا ترى سوى خطوط وبقع لونية متنافرة إذا اقتربت منها، لكن إذا ابتعدت عنها ونظرت إليها، وجدتها تشكل وحدة متكاملة.. وفي هذا النوع من الدراما، لا يوجد تصاعد رأسي للأحداث ذو تمهيد وذروة ونهاية، بل تظل الخطوط - أو البقع اللونية - تتسع وتتعمق حتى تحدث في النهاية التأثير المطلوب.
نظرة بانورامية
الزمان في فيلمنا واحد، وهو ليلة رأس السنة، حيث تدور الأحداث في أقل من 24 ساعة تبدأ صباح آخر يوم من 2011.. أما المكان، فرغم ما يبدو من تعدد المواقع، إلا أنها مثل مربعات الشطرنج، كلها مرسومة على رقعة واحدة، وهي هنا مدينة نيويورك، التي يعد الفيلم قصيدة في حبها، ويحرص على استعراض جمالها من دون أي إشارة لمواطن القبح، وهي كثيرة في هذه المدينة التي لا تنام.. ويلخص مارشال نظرته البانورامية المحبة لنيويورك في مشهد بليغ تزور خلاله شخصية "إنجريد" الرئيسية (ميشيل فايفر) متحفا يعرض مجسما كاملا للمدينة بحيث تبدو معالمها واضحة - وإن كانت صغيرة - أمامها وأمامنا.
وداخل نيويورك الكبيرة، تتضح وحدة المكان أكثر في مركز رئيسي يدور حوله الفيلم كله، وهو ميدان "تايمز سكوير" الشهير، الذي تدور فيه غالبية المشاهد، ويشهد الحدث الأكبر في الفيلم، الذي تتطلع لمتابعته معظم الشخصيات ومعظم سكان المدينة، وهو إنزال كرة رأس السنة المضيئة في الدقيقة الأخيرة من العام المنصرم، مع عد تنازلي يعلن عن بداية السنة الجديدة أمام حشد ضخم من الأمريكيين يشبه مليونيات مصر ما بعد الثورة.
يمسك السيناريو بالعديد من الخيوط التي ترتبط بشكل أو بآخر بحفل "تايمز سكوير".. فهناك "ستان" (روبرت دي نيرو) الذي يحتضر متأثرا بالسرطان وتكون أمنيته الأخيرة أن يشهد إنزال الكرة من فوق سطح المستشفى الذي يعالج فيه، وتخفف عنه الممرضة السمراء "إيمي" (هال بيري).. وهناك المطرب "جنسن" (جون بون جوفي) الذي يكلف بإحياء الحفل بينما يعاني من أزمة عاطفية مع حبيبته (كاثرين هيجل)، ولدينا عضوة فرقته المغنية المغمورة التي يتعطل بها المصعد وهي في طريقها للحفل، وتظل حبيسته لعدة ساعات بصحبة جارها "راندي" (أشتون كوشتر).. وترمز "كيم" (سارة جيسيكا باركر) للسلطة الأسرية التي تسعى ابنتها المراهقة للخلاص منها وحضور الحفل مع أصدقائها برغم معارضة أمها.. أما "إنجريد" (فايفر)، فتتمرد على واقعها الرتيب وتضع لنفسها قائمة أمنيات تريد تحقيقها بعد أن تستقيل من عملها، ومنها حضور الحفل في الميدان، ويساعدها على ذلك الشاب "بول" (زاك إيفرون) المليء بالحيوية والمرح.. وهناك "سام" (جوش دوهاميل)، وريث الثورة الضخمة، الذي تتعطل سيارته فيتأخر عن حضور الحفل السنوي لشركة أبيه الراحل.. وأخيرا هناك "كلير" (هيلاري سوانك)، مديرة حفل الميدان، التي تواجه مشكلة تعطل الكرة الكهربائية في منتصف اليوم وتصبح مطالبة بإصلاحها قبل حلول الليل وإلا فقدت وظيفتها.
أعطال كثيرة
وكما هو واضح، تتكرر تيمة "العطل" كثيرا في الفيلم: المصعد، السيارة، والكرة.. ويستغلها المخرج جيدا، ليس فقط لكي يرمز إلى المشكلات التي تواجه الأبطال وتعرقل مسيراتهم في الحياة، ولكن أيضا ليرمز إلى الوقفة التي يجب أن يجريها المرء مع نفسه إذا تعرض لأزمة، لكي يمنح نفسه - وغيره - فرصة أن يبدأ حياته مرة أخرى بشكل جديد ومختلف.. وعلى سبيل المثال، تتغير وجهة نظر وريث الشركة الكبرى في الحياة عندما يلتقي بأسرة رجل دين تولى توصيله بعد تعطل سيارته، وتتغير حياة المغنية المغمورة تماما بعد لقائها الطويل مع جارها في المصعد المتعطل.. وتعبر مديرة الحفل عن هذه الفكرة بشكل مباشر بعد تعطل الكرة، حيث توجه كلمة للجمهور المنتظر تقول فيها إن الكرة توقفت لكي تمنحنا فرصة إعادة حساباتنا ومراجعة كشف حساب العام المنصرم.
ومقابل حماس المخرج لهذه الأفكار الجادة، يدين الفيلم المظاهر التقليدية للاحتفال برأس السنة، ومنها رسائل التهنئة القصيرة عن طريق التليفون المحمول، والتي يقول "راندي" إن الكثيرين يرسلونها بشكل آلي لكل الأرقام التي لديهم رغم أنه قد يمر العام كله من دون أن يحدث اتصال حقيقي بين الطرفين.. كما يرفض الفيلم الزينة التقليدية التي تعلق في مثل هذه المناسبات، ويعبر عن ذلك بشكل بليغ عندما يجمعها "راندي" من أدوار العمارة التي يسكن فيها ليلقيها في القمامة، قائلا إن لائحة العمارة تمنع تعليقها.. وذلك كله هدفه التأكيد على أن الاحتفال الحقيقي برأس السنة يجب أن يكون بتحقيق الأمنيات ومنح الذات أملا جديدا وفرصة ثانية في العام الجديد مهما تأخر الوقت.. وكان هناك تخفيف كوميدي تولى الجانب الأكبر منه تنافس طريف بين أسرتين حول أسبقية ولادة طفليهما في اللحظات الأولى من 2012 للفوز بجائزة مالية مخصصة لذلك، وإن لم يخل هذا المحور من بعد فلسفي تمثل في المقابلة التقليدية بين ميلاد الأطفال ورحيل العجوز المصاب بالسرطان، أو بين الحياة والموت.
وقرب نهاية الفيلم، يبدأ السيناريو في تجميع الخطوط الدرامية والربط فيما بينها، حيث يتضح أن مديرة الحفل هي ابنة المريض المحتضر، وتصحبه إلى سطح المستشفى لكي يحقق أمنيته الأخيرة برؤية إنزال الكرة، في مشهد أداه دي نيرو - كالعادة - باقتدار، خاصة عندما يخلع قلنسوته لكي يستمتع بنسمة أخيرة من هواء نيويورك.. ونعرف أن الأم "كيم" هي الحبيبة المنتظرة للوريث الثري، التي كانت قد أعطته ميعادا في ليلة رأس السنة الماضية لكي يتقابلا بعد عام، وأنها شقيقة الشاب الذي ساعد "إنجريد" على تحقيق أحلامها، إلى آخره.. وهكذا تكتمل اللوحة التأثيرية ويتم البناء الأفقي للفيلم.
كان جاري مارشال قد قدم فيلم "عيد الحب"، الذي ينتمي لنفس النوعية، العام الماضي.. ويبدو أن نجاحه أغراه بتكرار التجربة مع نفس السيناريست، كاثرين فوجيت، وبنفس أسلوب حشد النجوم، إلى درجة أن هناك ممثلين شاركوا في الفيلمين، ومنهم أشتون كوتشر وجيسيكا بيل

مقالي عن فيلم "وهلأ لوين؟" في "القاهرة" 3 يناير

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"وهلأ لوين؟".. أنشودة سينمائية للحياة والحب والسلام
** نادين لبكي صنعت فيلمها بحرية مطلقة فأصبح عملا ممتعا وأضاء مناطق غير مسبوقة سينمائيا
** نقطة الضعف تكمن في عدم اعتناء السيناريو برسم الشخصية الرئيسية وعلاقتها بالجنس الآخر
بعد عرض الفيلم الوثائقي "تحرير 2011" تجاريا في ديسمبر الماضي، في حدث سينمائي نادر بالسوق المصرية، شهدت الأيام الأخيرة من العام المنصرم حدثا مهما آخر يعد مؤشرا جديدا على التطورات الإيجابية بهذه السوق بعد الثورة، وهو عرض فيلم "وهلأ لوين؟"، للمخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي، بدور العرض المصرية، وإن كان بعدد قليل من النسخ، على أساس أن الفيلم "أجنبي"، رغم أنه عربي، ورغم أن مصر مشاركة في إنتاجه، وهذه معضلة في حاجة إلى تفسير.
الفيلم إنتاج لبناني فرنسي مصري إيطالي مشترك، وتعدد جهات الإنتاج يجبر المرء على أن ينسب الفيلم لمخرجه، وبذلك يصبح "وهلأ لوين؟" لبنانيا، خاصة أنه ناطق باللهجة اللبنانية، وأحداثه تدور في لبنان.. غير أن ذلك ليس مبررا لاعتبار الفيلم أجنبيا لدى توزيعه في مصر، فالأفلام العربية يجب أن تحظى بمعاملة نظيرتها المصرية، ويجب أن يميزها أباطرة التوزيع المصريون عن الأفلام الأجنبية بحق، أو الأمريكية على وجه التحديد، خاصة إذا كانت متميزة وحاصلة على جوائز دولية، كما هي الحال مع فيلم نادين.
وفي كل الأحوال، فإن عرض الأفلام العربية تجاريا في مصر يعد حلما، ليس فقط للنقاد والمتابعين والمهتمين المصريين بشئون السينما، ولكن أيضا للسينمائيين العرب.. وأذكر أن المخرج التونسي رشيد فرشيو قال - في حوار أجريته معه منذ نحو 15 عاما - إن من بين أحلامه أن تخصص مصر ولو قاعة واحدة لعرض الأفلام العربية.. ولا شك أن عرض فيلم نادين الأول "سكر بنات"، ثم الثاني "وهلأ لوين؟"، في مصر، يعد بداية على طريق تحقيق الحلم.
سؤال بلا إجابة
اسم "وهلأ لوين؟" يعني: "والآن إلى أين؟"، ورغم أنه قد يبدو سخيفا أن أترجم اللهجة اللبنانية "العربية" إلى العربية، إلا أنني لم أجد مفرا من ذلك بعد أن وجدت أن معظم المصريين يسمون الفيلم "هلاوين"، وكأنه جزء من سلسلة أفلام الرعب الأمريكية الشهيرة، بمن في ذلك موظفو دار العرض التي شاهدته فيها، إلى درجة أن الخطأ طال لوحة ترخيص الرقابة التي تسبق عرض الفيلم.
تنطلق نادين لبكي من هذا السؤال البسيط، وبه تنهي فيلمها، في إشارة إلى أنه سيظل بلا إجابة، وإلى أننا سنظل نتساءل عن الطريق التي يجب أن نسلكها.. وبساطة السؤال تحكم الفيلم كله، حيث يختار صناعه تبني وجهة النظر البسيطة لبطلاته من النساء في مواجهة الحرب والكراهية وحمامات الدم، وتبني طريقتهن وحيلهن الصغيرة لوأد الفتنة الطائفية وتحقيق السلام لحماية أولادهن وأزواجهن وضمان استمرار الحياة كما عرفنها وعشنها.
من الممكن أن ترمز الضيعة اللبنانية النائية والمعزولة، التي تدور فيها أحداث الفيلم، إلى لبنان كله، أو إلى الوطن العربي كله، فنحن إزاء قرية مسالمة يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون، ويتجاور فيها المسجد والكنيسة، ولا يربطها بالعالم الخارجي شيء بعد تحطم الجسر الواصل إليها، وكل ما يطمح إليه أهلها أن يعيشوا في سلام، بعيدا عن ويلات الحرب والسياسة، شأنهم شأن معظم العرب.. وللدلالة على معاناة الضيعة، توضح جملة حوارية بليغة أن أمواتها أكثر من أحيائها، وذلك ما يدفع نساءها للاستماتة دفاعا عمن تبقى من رجالهن.
حيل وألاعيب
تليفزيون وحيد في الضيعة ينقل أنباء فتنة طائفية قريبة، فتبدأ سلسلة حيل النساء لإخفائها عن الرجال حتى لا يمتد نزيف الدماء إلى قريتهن المسالمة، وتكون البداية بإفساد التليفزيون، ثم إحراق الصحف التي تتحدث عن الفتنة.. ولأن أخبارا كهذه لا يمكن التعتيم عليها طويلا، تبدأ المناوشات الطائفية في الضيعة، وتتصاعد، فتتصاعد معها حيل النساء لإطفاء النار، ومنها استقدام راقصات أوكرانيات لإلهاء الرجال.. ومع وصول الأزمة إلى الذروة بمصرع أحد شباب القرية المسيحيين برصاصة طائفية طائشة أثناء إحدى رحلات الموتوسيكل لشراء احتياجات الأهالي، تصل الحيل والألاعيب إلى ذروتها بدورها، حيث تقرر النساء - بمعرفة شيخ الجامع وقس الكنيسة - عمل مخبوزات بالحشيش وحبوب الهلوسة لتخدير الرجال حتى تتاح لهن فرصة دفن أسلحتهم لمنع الحرب.
أما المنطقة المضيئة وغير المسبوقة سينمائيا في أي فيلم آخر، فتكمن في الجزء الأخير، حين تلجأ النساء للحيلة الكبرى والأخيرة، حيث توحي المسلمات لأزواجهن وأولادهن أنهن تحولن إلى مسيحيات، ويبدأن في التصرف على هذا الأساس، بما في ذلك خلع الحجاب.. وتفعل المسيحيات العكس، بمن فيهن والدة الشاب المقتول، التي تواجه ابنها الآخر مرتدية الحجاب، وتقول له - في مشهد جميل أدته الممثلة كلود باز مصوبع باقتدار - إنه إذا كان يريد أن ينتقم لشقيقه فلينتقم منها هي، لأنها أصبحت من المسلمات!
ولا أريد أن يتهمني أحد بأنني "أحرق" الفيلم، لأن أي سرد للأحداث - أو حتى النهاية - لا يمكن أن يغني عن مشاهدة هذا العمل الممتع وتلقي طاقة الإبداع الهائلة التي تشع من معظم مشاهده بروح الكوميديا السوداء الساخرة التي تفجر الضحكات بقدر ما تدر الدموع، وهذا شأن الأعمال الفنية العظيمة التي تحاكي الحياة بكل ما فيها من متناقضات السعادة والحزن واليأس والأمل.
العبث المقبول
وقد رأى البعض أن أسلوب معالجة الفيلم لموضوعه ينطوي على عبث شديد، وخفة واضحة، رغم أن قضية الفتنة الطائفية المطروحة شديدة الجدية والأهمية، وهؤلاء أختلف معهم تماما، حيث أرى أن أسلوب العبث مناسب للغاية لعبث الحرب التي يدعو الفيلم لتجنبها.. وهنا تجب الإشارة إلى أن مشكلة الفتنة الطائفية في لبنان مختلفة عن مثيلاتها في أي دولة أخرى، حيث وصلت إلى حد الحرب الأهلية على مدى سنوات طويلة، وإلى حد الجنون والعبث الكامل، وبالتالي صار اتباع أسلوب العبث - لدى معالجتها سينمائيا - مقبولا.
استخدمت نادين لبكي خبرتها كمخرجة فيديو كليب في عمل إيقاع شديد الحيوية والتدفق للفيلم، لا يترك الملل يتسلل إلى المشاهدين لحظة واحدة.. وظهرت هذه الخبرة بشكل مباشر في إخراج أغنيتين بالفيلم، إحداهما حالمة اعتمدت فيها على القطع المتوازي بين الواقع والعلاقة المتخيلة بين شخصية السيدة المسيحية التي تؤديها بنفسها (آمال) وشاب مسلم، والأغنية الأخرى اختارت لها إيقاعا راقصا ومبهجا، حيث تؤديها نساء الضيعة وهن يصنعن المخبوزات بالحشيش، واسمها بالمناسبة "حشيشة قلبي".
حرية مطلقة
وأعجبتني الحرية المطلقة التي صنعت بها المخرجة فيلمها، من دون أي حساسيات أو حسابات دينية أو سياسية، ومن دون أي مضايقات رقابية، خاصة في المشهد الذي توجه فيه الأم المسيحية الثكلى كلامها بعنف إلى السيدة العذراء في الكنيسة، وتصرخ فيها لتلومها على عدم الحفاظ على ابنها، في حين أنها تحتضن ابنها هي - أي السيد المسيح - بين ذراعيها.. وهناك أيضا العديد من المشاهد التي تسخر من ادعاء البعض مخاطبة العذراء أو ظهورها لهم.
تكمن أبرز نقاط الضعف بالفيلم في السيناريو، الذي كتبته نادين بالاشتراك مع جهاد حجيلي ورودني حداد، ومنها أنه لم يعتن بالقدر الكافي برسم الشخصيات، خاصة شخصية "آمال" الرئيسية (نادين لبكي)، التي لا نكاد نعرف عنها شيئا، فضلا عن علاقتها الغائمة والغامضة ب"ربيع" المسلم، والتي لم تكن عادية وفي نفس الوقت لم ترق إلى مستوى قصة الحب وبدت مبتورة ومبتسرة.. وكان من المفترض في رأيي بذل المزيد من الجهد في إضافة أبعاد وأعماق أكثر للضيعة وقصتها وتاريخ معاناتها مع الفتنة أو غيرها، بدلا من الاكتفاء بوضع مقابر القتلى في الخلفية.
ورغم العيوب البسيطة، يعد "وهلأ لوين" تحفة سينمائية يندر أن يجود العرب بها، وأنشودة شجية وجميلة للحياة والحب والسلام، ودعوة عالية الصوت لنبذ الخلافات والصراعات وحقن الدماء، والأهم: التسامح والتعايش وقبول الآخر

مقالي عن فيلم "واحد صحيح" في "القاهرة" 1 فبراير


أسامة عبد الفتاح يكتب:

"واحد صحيح".. تحضير لروح "سهر الليالي"

** ينتمي لجيل جديد من أفلام "السبكية" يقوم على نفس توليفتهم الرابحة لكن يتمتع بمظهر عصري أنيق ومستوى تقني عال

** تامر حبيب لا يزال يدور في فلك مصر البورجوازية التي لا تنشغل سوى بغراميات الأغنياء وانحرافهم الأخلاقي



في أكثر من مناسبة، روى السيناريست تامر حبيب حكايته مع زميله الكبير وحيد حامد، عندما نصحه الأخير بأن ينسى نجاح فيلمه "سهر الليالي" (2003) لكي يستطيع أن يمضي قدما.. وفي كل مرة، كان يبدو على حبيب أنه مقتنع بالنصيحة، لكنه - في كل فيلم تال - لم يكن ينفذها، بل كان يحاول استنساخ "سهر الليالي"، أو تحضير روحه طمعا في تكرار النجاح، ولم يكن ذلك يحدث للأسف، ورغم ذلك لم يتوقف حبيب عن المحاولة، وكأنه "سيزيف" الذي لا يكف عن حمل الصخرة والصعود بها إلى قمة الجبل، رغم أنها في كل مرة تعود للانحدار وتهوي إلى السفح!

وينسحب ذلك على فيلمه الأخير "واحد صحيح"، المعروض حاليا في دور السينما، الذي لا يعدو كونه عملية استنساخ جديدة.. ولا أقصد الشكل، فهو يتغير، ولا حتى القصة والخطوط الدرامية والشخصيات، بل أقصد الأهم: المضمون، و"التيمة" أو الموضوع، والمشروع الذي يعمل عليه حبيب، إن كان لديه مشروع.

حتى الآن، يدور تامر حبيب - في كل أفلامه - في فلك مصر البورجوازية، التي تبدو وطنا آخر غير الذي تربينا فيه ونعرفه جيدا، والتي لا يعيش فيها إلا الأثرياء التافهين ورجال الأعمال ومحدثي النعمة، الذين لا يشغلهم شيء سوى أزماتهم العاطفية وعلاقاتهم الغرامية ومغامراتهم الحسية والجنسية، والذين لا يعانون إلا من الانحلال الأخلاقي والخيانة والفراغ العاطفي، وكأنه لا توجد في مصر - أو العالم - قضايا أخرى يمكن تناولها.. لم يناقش قضية اجتماعية واحدة، لم يرصد أي تحول أو تطور أو ظاهرة في المجتمع الذي يعيش فيه، لم يساهم - مثل الكثيرين من أبناء جيله من الكتاب - في تشريحه أو تحليله، واكتفى بالقشور المحيطة بنماذجه المريضة التافهة.

لا يخرج "واحد صحيح" عن هذه الحدود الضيقة، ولكي تكتمل "طبخته" الحريفة، كان لابد من بعض المنكهات والبهارات التقليدية المعروفة، وهي هنا كثيرة، وسبق تقديمها في عشرات الأعمال السابقة، ومنها علاقة الحب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، والزوج الشاذ جنسيا.. وهكذا أصبح جديرا بأن ينتمي للجيل الجديد من أفلام "السبكية" (الفيلم من إنتاج كريم أحمد السبكي)، وهو جيل يقوم على نفس توليفتهم التجارية الرابحة لكن يتمتع بمظهر عصري أنيق، ومستوى تقني عال.

عصر الحريم

نحن إزاء سينما الرجل "الدونجوان"، الذي تحوم حوله النساء مثل الفراشات، وما إن تقترب من "نوره" حتى تحترق، وهي "تيمة" قديمة مهترئة، قتلت بحثا من قبل في مصر وخارجها، فضلا عن كونها شديدة السلبية، وتعود بالنساء إلى عصر الحريم، إذ لا ترى فيهن سوى أداة لإمتاع الرجل وتحقيق رغباته.. كل نساء الفيلم لا هدف لهن سوى الفوز بالبطل، حتى علاقة الصداقة الجميلة التي قدمها الفيلم في بداياته بين مهندس الديكور البطل "عبد الله" (هاني سلامة) والمصورة "نادين" (بسمة)، تكفل السيناريست بإفسادها قرب النهاية، حيث يتضح أنها تحبه هي الأخرى، وأن ذلك كان السبب الرئيسي في طلاقها من زوجها "فادي" (عمرو يوسف)، صديق وشريك "عبد الله".

ورغم تقديم شخصيات مثقفة (مصورة، مذيعة، طبيبة أمراض نساء، ومربية في كنيسة)، إلا أننا لا نرى منها سوى جانب الوله بالبطل، ولا نكاد نعرف عنها شيئا، حيث تبدو وكأنها قطفت من أشجار، من دون أي محاولة لتعميقها أو إضافة أي أبعاد لها، باستثناء الطبيبة "فريدة" (رانيا يوسف) التي نرى لها أما وأختا فقيرتين يقتصر دورهما على ابتزازها وزوجها ماديا و"الشحاتة" منهما، وتتحمل الأم من أجل ذلك إهانات لا تعقل ولا تصدق من ابنتها.. والغريب أن الجزء البذيء من هذه الإهانات توجهه "الدكتورة" لأمها أمام زوجها، وهو ما لا يمكن أن يحدث، ففي هذه الأوساط قد تتطاول محدثة النعمة على أمها في السر، لكن يصعب أن تفعل ذلك أمام زوجها، الذي قدمت التضحيات وقبلت أن تعيش معه رغم شذوذه لترتقي وتصعد اجتماعيا، لأن تصرفا كهذا ينسف صعودها الاجتماعي من أساسه.

ولا أعرف حقا إلى أي نوع من الطبيبات تنتمي هذه الشخصية التي تمارس كل أنواع الانحراف، فهي تقيم علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج، وتشرب الخمر حتى الثمالة، وتدخن بشراهة، وتشم الهيروين بالمرة، ولا ينقصها سوى أن تتاجر في الأسلحة والمخدرات لكي تتحول إلى كيان إجرامي متكامل.. ولا تسأل على سبيل المثال: كيف تجري هذه الطبيبة المدمنة السكيرة العمليات الجراحية، فهذه الأسئلة "الساذجة" لا توجه إلى مثل هذه الأفلام "الطليعية".

إقحام للدين

وفي العلاقة المحرمة بين الطبيبة والبطل، يعود السيناريست إلى خط درامي كان استخدمه في فيلم "سهر الليالي"، حيث كانت هناك علاقة مماثلة بين الزوجة المحبطة (جيهان فاضل) والشاب "البلاي بوي" (أحمد هارون)، والفارق الوحيد أن إحباطها كان بسبب برود زوجها جنسيا، في حين أن الإحباط في فيلمنا عائد إلى شذوذ الزوج.. ويمتد الاستنساخ إلى شخصية "الدون جوان" نفسها، التي كان فتحي عبد الوهاب قدمها في "سهر الليالي" أيضا.

وكعادة هذه التوليفات السينمائية التجارية، يتم إقحام الدين، ولا مشكلة في ذلك إن كان يجري بعمق وبما يخدم الدراما، لكن صناع "واحد صحيح" يقحمون الدين بشكل شديد السطحية ليس له علاقة بدراما الفيلم، حيث نتابع - فجأة ومن دون مقدمات - مشهدا تؤدي خلاله المذيعة المتحررة "مريم" (ياسمين رئيس) الصلاة، من دون أي مشاهد سابقة أو لاحقة تؤصل هذا الخط الدرامي وتطوره.. وربما قصد السيناريست أن يصنع معادلا موضوعيا لشخصية الفتاة المسيحية المتدينة "أميرة" (كندة علوش)، لكن ذلك بدوره غير واضح، وليس هناك أي رابط بين الشخصيتين سوى أن مشروع ارتباط البطل بكلتيهما يفشل!

وبعد هذا الفشل، وبعد أن تخسر الطبيبة "السوبر" العشيق والزوج معا كما هو متوقع، لا يتبقى للبطل إلا الصديقة التي تحولت إلى حبيبة.. لكن لا يمكنني رغم ذلك أن أقول إن الفيلم يدور حول البحث عن الحب الحقيقي، لأن "الدون جوان" لا يكتشف أنها تحبه وتعتبره أكثر من صديق إلا فيما يشبه الصدفة، أضعف الحيل الدرامية، ويندهش لذلك بشدة (!)، أي أن صناع الفيلم لم يبذلوا أي مجهود لبناء العلاقة، والإيحاء للمشاهد بأنه يبحث عن الحب الحقيقي بينما هو قريب منه.

نجاح تقني

لم ينقذ الفيلم من الغرق الكامل سوى الجانب التقني، بقيادة المخرج هادي الباجوري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، وبجهود مجموعة متميزة من الفنيين، أبرزهم أحمد المرسي في التصوير وفهد في الموسيقى، وإن كنت آخذ على الباجوري موافقته على تنفيذ السيناريو مع وجود العيوب المذكورة، من دون أي محاولة لإصلاحها أو لوضع رؤيته وبصمته الشخصية.

كما بذل الممثلون مجهودا كبيرا لأداء الشخصيات في ظل نمطية بعضها، وقصور رسم البعض الآخر، وتميز أداء معظمهم، خاصة ياسمين رئيس، التي تؤكد لثاني فيلم على التوالي (بعد "إكس لارج") أنها وجه له مستقبل.. أما هاني سلامة، فقد تخلص أخيرا من طريقة أدائه المعهودة التي تعتمد على "التبريق" بالعينين، وأصبح أنضج وأبسط وأكثر التزاما بالشخصية التي يؤديها، ونرجو أن يستمر على ذلك

مقالي عن ويتني هيوستن في "القاهرة" 21 فبراير

أسامة عبد الفتاح يكتب:
ويتني هيوستن.. آخر ضحايا "عقاقير الشهرة" الأمريكية
** من مارلين مونرو إلى بطلة "الحارس الخاص".. تاريخ من الجرائم والألغاز في هوليوود والمتهم أدوية "قانونية"
** بعض أصدقاء هيوستن يفجرون مفاجأة ويعلنون أنها كانت "مثلية" وأدمنت المخدرات للهروب من حقيقتها
لم تكن الوفاة المفاجئة لأسطورة الغناء الأمريكي ويتني هيوستن، في 11 فبراير الجاري، صدمة لمحبيها فحسب، بل كانت علامة استفهام جديدة ولغزا آخر يضاف إلى تاريخ طويل من الألغاز والجرائم الغامضة التي راح ضحيتها العديد من نجوم هوليوود والأوساط الفنية الأمريكية بشكل عام، والتي لم تكشف أسرارها ولم يتم التوصل للمسئولين عنها حتى اليوم.. ورغم وقوع كثير من هؤلاء النجوم في فخ إدمان المخدرات والكحوليات وإقدامهم على تدمير أنفسهم بطرق أخرى، إلا أن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أشارت بأصابع الاتهام إلى بعض العقاقير والأدوية المتداولة بشكل قانوني في الولايات المتحدة، وقالت بالحرف إن العقاقير المعتمدة من إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية "إف دي إيه"، والمتاحة للجمهور في الصيدليات، أصبحت سببا رئيسيا للوفاة في الولايات المتحدة بشكل عام، وفي الأوساط الفنية بشكل خاص.
على مدى سنوات طويلة، سقط العديد من مشاهير الغناء والتمثيل والأدب الأمريكيين بسبب الجرعات الزائدة من أدوية "الروشتات" الطبية العادية، التي تقول وسائل الإعلام الأمريكية إن الكثير منها يؤدي إلى الإدمان.. مات بعضهم كنتيجة لإساءة استخدام هذه الأدوية، فيما كان آخرون خارج وعيهم حرفيا نتيجة لتناولها، مما جعلهم فريسة لسلوك مهمل، بل انتحاري، قادهم إلى نهاياتهم الحزينة.. والغريب أن ذلك كان يتم تحت نظر ومتابعة أطبائهم الشخصيين، ولذلك كان من الطبيعي أن يخضع بعض هؤلاء الأطباء للتحقيق والمساءلة بشأن هذه الوفيات.
بدأت السلسلة سنة 1962، قبل عام واحد من مولد ويتني هيوستن، عندما توفيت أيقونة هوليوود مارلين مونرو، في لغز عالمي شهير ما زال مستعصيا على الحل حتى اليوم، وإن كان المعلن أنها دفعت حياتها ثمنا للإفراط في تناول المهدئات والمنومات.. ونفس السبب كان وراء رحيل الممثل الأمريكي نك آدامز عام 1968، حيث وجدت في دمه آثار لعقاقير مشابهة.. وشهد عام 1977 وفاة أسطورة الغناء العالمي إلفيس بريسلي، الذي كان له تاريخ طويل من إساءة استخدام العلاجات الطبية.. ومن الثابت أن طبيبه الخاص، جورج نيكوبولوس، كان يمده بنفسه بالأقراص التي أودت فيما بعد بحياته.
على الأرفف
وفي عام 1994، مات الموسيقي والمغني كيرت كوبان، ووجدت في دمه آثار لعقار "فاليوم" المهدئ، المطروح باستمرار على أرفف الصيدليات الأمريكية.. وبعد ثلاث سنوات، كان مصير مشابه ينتظر الممثل الكوميدي كريس فيرلي، الذي لم يسفر تحليل دمه عن العثور على أي مواد أو عقاقير محظورة، فيما وجدت بقايا لأدوية "قانونية" وصفها له أطباؤه المعالجون.. كما اتهم بعض الأطباء بالتسبب في مصرع الممثلة الأمريكية آنا نيكول سميث عام 2007، حيث تردد أنهم حرروا لها "روشتات" مزورة لتحصل بمقتضاها من الصيدليات على أقراص منومة ومسكنات ومضادات للتوتر، مما أدى في النهاية لوفاتها.
ويتذكر الكثيرون الرحيل المأساوي للممثل هيث ليدجر عام 2008، بعد تناوله "كوكتيل" من العقاقير التي وصفها له أطباؤه، ومنها "أوكسي كونتين"، و"فاليوم"، و"زاناكس"، و"يونيسوم".. وفي العام التالي، سقطت النجمة الشهيرة فرح فاوست ضحية الأدوية التي صرفت لها لمكافحة السرطان، حيث أكدت التقارير الطبية أنها أدت لزيادة معدلات انتشار السرطان عندها، مما قتلها في النهاية.. وفي العام نفسه، كان حقن "ملك البوب" مايكل جاكسون بعقار "ديميرول" - بمعرفة طبيبه الخاص - من الأسباب الرئيسية لرحيله المفاجئ، الذي يشبه كثيرا رحيل ويتني هيوستن، لتكتمل أوجه التشابه بين الأسطورتين، بعد اللون الأسمر والموهبة والشهرة الطاغية والموت المبكر.
ورغم أنه لم تعلن بعد أي أسباب رسمية لوفاة هيوستن، حيث لا تزال التحقيقات جارية، إلا أن هناك تقارير تشير إلى أن "عقاقير الشهرة"، المصحوبة بالكحول، هي التي أنهت حياتها، وليس الغرق.. ووفقا لهذه التقارير، فقد تناولت بطلة فيلم "الحارس الخاص" خليطا قاتلا من عقاقير "لورازيبام" و"فاليوم" و"زاناكس"، بالإضافة إلى حبوب منومة، لتموت قبل أن يسقط رأسها في مياه "بانيو" غرفتها بفندق "هيلتون بيفرلي هيلز" قبل عشرة أيام.
اختبار السموم
واتخذ المحقِّقون في أسباب الوفاة قرارًا بالتَّحقيق مع أطبائها والصيدليَّات الَّتي صرفت لها الأدوية المخدِّرة الَّتي وجدت في غرفتها عند وفاتها.. ونقلت الصحف الأمريكية عن مصدر مطلع لم تذكره أن القضية مازالت مستمرة والتحقيقات تتوقف بشكل كبير على نتائج اختبار السموم المنتظر أن تظهر خلال شهرين، وأن التحقيق مع الأطباء ومسئولي الصيدليات يعود إلى رغبة المحققين في معرفة ما إذا كان قد تم وصف تلك العقاقير المخدرة بطريقة طبية سليمة، أم بشكل مبالغ فيه جعلها تدمنها أو تتسبب في وفاتها.. وأشار إلى أن كمية الأدوية المخدرة التي تم العثور عليها - إلى جانب الخمر - في غرفة هيوستن عند وفاتها لم تكن كبيرة لكن في المقابل لم يستبعد أن تكون تلك الأدوية سببًا في وفاتها.
ووفقا للنقيب المتقاعد في مكتب الطبيب الشرعي، ديف كامبل، سيعمل المحققون على إحصاء العقاقير في كل زجاجة ومقارنتها بالوصفة الطبية التي كتبها الطبيب لهيوستن لمعرفة ما إذا كانت النجمة الكبيرة تناولت الجرعة الصحيحة أم أنها أفرطت في تناول بعض العقاقير.. وقال الرقيب ستيف أوفرمان، الذي أشرف على بعض القضايا المشابهة لقضية هيوستن: "المشاهير غالبًا لا يستشيرون سوى الأطباء الذين سيقدمون لهم الوصفات الطبية التي يرغبون فيها، وكثيرًا ما يستخدمون أسماء بعض المحيطين بهم عند التعامل مع هؤلاء الأطباء بحجة الحفاظ على الخصوصية، ولذلك تصبح محاولة رفع قضية ضد الطبيب أو الصيدلي أمرا في غاية الصعوبة".
وفي رواية مختلفة وغريبة، فجر بعض أصدقاء المطربة الراحلة مفاجأة كبيرة عندما أعلنوا أنها كانت "مثلية" وأن "شذوذها" هو الذي قتلها عندما أدمنت المخدرات في محاولة للهروب من حقيقتها التي كانت تحاول إخفاءها حتى عن ابنتها.. وقالوا إنها كانت تعرف أن "كذبتها الكبيرة" وحياتها الخاصة مع مساعدتها السابقة سوف تنكشف يومًا من الأيام وهو ما دفعها للهروب إلى إدمان المخدرات الذي قتلها.
الخوف من الكابوس
وأكد بيتر تاتشل، وهو ناشط في مجال حقوق المثليين، أن زواج ويتني هيوستن من بوبي براين كان مجرد "ستار" لإخفاء علاقتها السرية مع مساعدتها.. ونقلت صحيفة "ديلي ستار" الأمريكية عن "تاتشل" قوله: "كان على ويتني أن تواجه العالم بحقيقة علاقتها وحياتها لكنها فشلت وفضلت الغرق في عالم المخدرات خوفًا من كابوس انكشاف علاقتها السرية الذي كان يطاردها ليل نهار".
وزعم "تاتشل" أن ويتني عاشت أسعد حياتها ووصلت إلى قمة النجومية عام عندما كانت تعيش مع "صديقتها"، لكن خوفها من انفضاح علاقتها دفعها الى الابتعاد عنها وسارعت"مضطرة" إلى الزواج من بوبي براين في محاولة لإخفاء هذه العلاقة لكنها فشلت وبدأت في تعاطي المخدرات ومنذ ذلك الحين تحولت حياتها إلى معاناة وكارثة إنسانية.
وقالت مصادر أمريكية إن ويتني كانت على علاقة "شاذة" مع مساعدتها "روبين كراوفورد" منذ أن كانت فى السادسة عشرة من عمرها وكانت "ويتني" وقتها تبحث عن فرصة للعمل كعارضة أزياء.. واعترفت "روبين" بشكل غير مباشر بهذه العلاقة عندما كتبت رثاء في صحيفة "يو إس مجازين" قائلة: "لا أصدق أنني لن أعانقها وأسمع ضحكتها مرة أخرى".. وتناولت الصحف قصة "شذوذ" ويتني عام 2000 لكنها ردت على ذلك بقولها: "أنا أم ولست مثلية".
وفي كل الأحوال، يظل ميل الكثير من المشاهير إلى تدمير أنفسهم بأنفسهم لغزا يستعصى على التفسير، ويفوق ملابسات رحيلهم غموضا وتعقيدا، حيث يبدون مثل الفراشات التي تنجذب - جيلا بعد جيل - إلى النور لتحترق، من دون أن تتعظ بمصير من سبقوها