Wednesday, February 29, 2012

مقالي عن فيلم "إكس لارج" في "القاهرة" 22 نوفمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
"إكس لارج".. ملح السيناريو يفسد كعكة الفيلم
** أحداث غير منطقية تصيب المشاهد بالارتباك في نهاية العمل بلا أي مبرر درامي
** شريف عرفة يغير جلده.. وحلمي يبذل مجهودا خرافيا.. ودنيا تتراجع عن مستواها
أثناء مشاهدة "إكس لارج"، يكون كل شيء جميلا وممتعا حتى الجزء الأخير من الفيلم، حين تشعر أنه تم رش الملح على الكعكة الشهية من دون مبرر أو سبب، لتفسد وتضيع حلاوتها.. كنت شخصيا أجلس سعيدا في صالة العرض، مقتنعا بأنني إزاء أنجح محاولة مصرية لعمل الكوميديا الرومانسية، النوع السينمائي الذي يستعصى علينا مثل الخيال العلمي، وتبرع دول مثل الولايات المتحدة في صنعه.. وليس هناك سبب مفهوم لذلك، فالكوميديا الرومانسية لا تحتاج إلى إمكانيات أو تكنولوجيا متقدمة كالخيال العلمي، وكل ما تتطلبه: فكرة شيقة جيدة وسيناريو محكم متماسك يعتني برسم الشخصيات ويتعمق في علاقاتها ببعضها البعض، ثم إخراج رشيق وأداء تمثيلي راق.
كان "إكس لارج" يمتلك كل ذلك حتى الجزء الأخير، حين ترد جملة حوارية على لسان بطلته "دينا" (دنيا سمير غانم) لتهدم كل ما سبقها، وتجعلنا نشعر أننا إزاء فيلم آخر، غير ذلك الذي أحببناه وتفاعلنا معه على مدى ثلثي مدة العرض على الشاشة.. كما يطرأ تغير جذري غير مبرر ولا مفهوم على الإطلاق على شخصية الخال "عزمي" (إبراهيم نصر)، يجعلنا بدوره نفقد البوصلة التي نبحر بها في الفيلم، ونفقد التعاطف مع الشخصية التي أداها الممثل الكبير بحميمية واقتدار.
يستوحي السيناريست أيمن بهجت قمر شخصية بطله رسام الكاريكاتير البدين "مجدي" (أحمد حلمي) من فنانين عباقرة ومحبوبين راحلين، يتسمون بالبدانة وخفة الظل، ومنهم صلاح جاهين وكامل الشناوي، ووالده الكاتب الكبير الراحل بهجت قمر، حيث يرسم ملامح "مجدي" على شاكلتهم: موهوبا خفيف الدم وموضع ثقة أصدقائه، الذين يطلعونه على أدق تفاصيل حياتهم الشخصية ويستشيرونه فيها، بمن فيهم النساء المتزوجات، اللاتي يعتبرنه "أختا أو صديقة"، ويلجأن إليه شاكيات من أزواجهم، من دون أن يعبأ أحد بشكواه أو مأساته هو.. حتى الصديقة غير المتزوجة (إيمي سمير غانم) تشركه في محاولاتها المحمومة للعثور على عريس من دون أن تفكر فيه أو تضع في الاعتبار أنه يعاني من نفس مشكلتها.
إنسان وحيد
وهنا يكمن مفتاح الشخصية: الوحدة، فنحن إزاء شخص وحيد مهما تعدد أصدقاؤه وزملاؤه، يعود آخر النهار إلى بيته ليقضي الليل حبيس وحدته وجسده البدين، ولا يؤنس وحدته سوى "اللاب توب" - الذي يفتح له عالم مواقع التواصل الاجتماعي - وخاله، البدين بدوره، الذي يزوره بين الحين والآخر حاملا ما اجتمع الاثنان على حبه: الطعام.. وقد عبر المخرج شريف عرفة عن هذه الوحدة في واحد من أجمل مشاهد الفيلم، يتناول خلاله البطل إفطار رمضان واقفا في الشرفة وهو يتابع جيرانه - بمن فيهم البواب وأسرته - وهم يفطرون سويا في الجو الأسري الحميم الذي حرمته ظروفه منه.
وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، يجد "مجدي" ضالته، ويتوصل إلى الحبيبة التي يمكن أن تشاركه حياته، وهي "دينا"، صديقة طفولته التي سافرت منذ سنوات بعيدة إلى الخليج، وتستعد للعودة إلى مصر لاستكمال دراستها العليا، وتريد أن يكون أول من تقابله لدى وصولها إلى القاهرة.. لكنه يجبن عن مواجهتها بوزنه الزائد وجسده المترهل، ويقدم نفسه إليها على أنه ابن عمه.. وتتوالى الأحداث ليزداد تعلق الاثنين ببعضهما البعض، وتأتي اللحظة التي تعرف فيها الفتاة الحقيقة، ويصبح "مجدي" مطالبا بالتوقف عن الأكل وخفض وزنه، إلا أنه يرفض، في مشهد اختار شريف عرفة أن يحاكي خطاب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، والذي ألقاه عمر سليمان، وبدلا من الرجل الشهير الواقف خلف سليمان، وضع المخرج البواب (محمد شرف) خلف أحمد حلمي!
ولا يفيق البطل ويقرر تغيير حياته إلا بعد أن يفقد خاله، الذي يموت متأثرا بمضاعفات السمنة، ويكاد أن يفقد حبيبته، التي ترفض أن ترتبط بشخص لا يتحلى بالإرادة.. كان من الممكن أن تتوقف حبكة الفيلم الدرامية عند هذا الحد، وكان ذلك في رأيي كافيا جدا لعمل فيلم جيد وغير منقوص، لكن صناع "إكس لارج" - وعلى رأسهم السيناريست - يفاجئوننا بتطورات غير منطقية بالنسبة لأحداث الفيلم، وخطوط درامية جديدة لا تتفق والخط الرئيسي للعمل، ومن شأنها إبعادنا وتشتيتنا عنه.. حيث يتضح فجأة أن السمنة هي موضوع رسالة "دينا" لنيل الماجستير، وتقول ل"مجدي" بكل قسوة إنه لم يكن بالنسبة لها سوى حالة تدرسها في إطار رسالتها.. ثم نعرف بعد ذلك - ويا للعجب - أن الخال هو من طلب منها - سرا - أن تقول له ذلك لكي ينتفض ويبدأ مسيرة خفض وزنه وتغيير حياته، بعد أن أبلغها بأن "مجدي" هو نفسه ابن عمه المزعوم!
تحول عجيب
ومصدر العجب هنا أن هذا الخال، الذي يضع خطة سرية محكمة لإنقاذ ابن شقيقته من مصيره، ليس هو الخال الذي تعرفنا عليه منذ بداية الفيلم، والذي لم يكن يفعل شيئا سوى التهام الطعام مع ابن شقيقته، وتشجيعه على تناول المزيد من الطعام، حيث لم يكن يزوره سوى حاملا شيئا ضخما يؤكل، العشرات من أرغفة "الفينو"، صينية عملاقة من البطاطس بالدجاج، أو كرتونتين من البيض يأكلهما الرجلان في وجبة واحدة.. وما أقصده أن الخال الذي تم رسمه وتقديمه لنا، لم يكن يعنيه من قريب أو بعيد أن يفقد ابن شقيقته وزنه، بل كان يشجعه على أن يبقى بدينا قائلا له إن البدناء دائما من العباقرة العظماء، مثل صلاح جاهين وكامل الشناوي، وإن الفتاة التي ستكن له حبا حقيقيا، لن يعنيها ما إذا كان سمينا أم لا.. بل أنه ليست هناك جملة حوار واحدة يقولها الخال للبطل بما معناه أنه من الأفضل أن يفقد وزنه، أو أنه يخشى عليه من مضاعفات السمنة التي يعاني هو شخصيا منها.. فكيف نصدق أنه من الممكن أن يتحول فجأة بعد ذلك لكي يصبح "ريجيم" ابن شقيقته شغله الشاغل، إلى درجة أنه يهدده بمقاطعته نهائيا إذا لم "يخس"؟
لم يكن هناك إذن أي تمهيد درامي للتحول الجذري الذي يطرأ على شخصية الخال، ولا لمفاجأة "دينا" الدراسية، مما يجعل المشاهد تائها في الجزء الأخير من العمل، يبحث بلا جدوى عن الفيلم الذي أحبه وتعلق به.. ويؤدي ذلك للأسف إلى إضعاف نهاية الفيلم، وعدم تفاعل المشاهد معها، خاصة أن العمل كله يعاني من بعض التطويل، وتتجاوز مدة عرضه ساعتين من دون داع، حيث كان من الممكن حذف نحو ربع ساعة منه بلا تأثير على الدراما أو تسلسل الأحداث.
عيب واضح
ورغم ذلك، يظل "إكس لارج" من أفضل المحاولات المصرية لصناعة الكوميديا الرومانسية، ومن أفضل أفلام المخرج شريف عرفة، الذي نراه هنا يعمل بطريقة مختلفة، أكثر حيوية وشبابا، ويستخدم تقنيات لم يكن معتادا عليها، مثل تقسيم الشاشة إلى أكثر من كادر، من دون محاولة للاستعراض التقني بالإكثار من حركة الكاميرا وألاعيب المونتاج كما كان يفعل في أفلامه السابقة.. ويؤخذ على المخرج أنه لم يتنبه لعيب واضح بمنطقة الوجه في ماكياج البدانة الذي يضعه أحمد حلمي، رغم أنه يستمر طوال الوقت على الشاشة، ويتمثل في فارق ملحوظ بين وجه حلمي وزائدة الماكياج عند الذقن.
ويشهد الفيلم أفضل أداء تمثيلي لأحمد حلمي في تاريخه، فقد قدم الدور بفهم وحساسية وعمق رغم أنه محروم من التعبير والأداء بواحد من أهم أسلحته: جسده الرشيق وحركته السريعة.. كما بذل مجهودا خرافيا في التمثيل مع تحمل الزوائد الجسدية الملتصقة به طوال الوقت، وبدا هذا المجهود واضحا في مشهد الملهى الليلي الذي أدى فيه رقصة صعبة - بماكياجه الثقيل - لا يمكن إتقانها إلا بالكثير من التدريب.. أما دنيا سمير غانم، فلم تكن في حالتها الفنية الجيدة المعهودة، ولم تستطع أن تنسجم مع أجواء الفيلم، حيث بدت طوال الوقت كأنها ضيفة عليه.. ولا تفسير لذلك - كما سبق أن أشرنا - سوى عدم حصول الشخصية التي أدتها على حقها من الرسم والتعميق في السيناريو.
ويحسب لصناع "إكس لارج" أنهم لم يأتوا ب"ملاحة 25 يناير" لكي يرشوا بعضا من الثورة على أحداث فيلمهم، بل تم التعبير بطريقة غير مباشرة عن الشباب المصري الذي ينتفض ثائرا على نفسه وعلى أوضاعه من خلال رمز الشاب البدين الذي يتمكن من تغيير واقعه وكسر قيود وحدته وإحباطه، فيما يرمز الخال العجوز إلى الجيل القديم الذي يفشل في ذلك فيرحل مفسحا الطريق للأجيال الجديدة

No comments:

Post a Comment