أسامة عبد الفتاح يكتب:
"ليلة رأس السنة".. رسالة أمل في العام الجديد
** دعوة للتمرد على رتابة الواقع والعمل على تحقيق الأمنيات من صاحب "امرأة جميلة" و"عيد الحب"
** كثرة "الأعطال" في الفيلم ترمز إلى المشكلات التي تواجهنا والوقفة التي يجب أن يجريها المرء مع نفسه إذا تعرض لأزمة
يؤدي الفيلم الأمريكي "ليلة رأس السنة"، المعروض حاليا في القاهرة، المهمة التي صنع من أجلها بامتياز، حيث ينقل لمشاهديه الشعور بالأمل والتفاؤل، والذي قصد المخرج الكبير جاري مارشال وباقي صناع الفيلم التأكيد عليه ونحن نستعد لاستقبال عام جديد.. ولا يكتفي الفيلم بذلك، حيث يحقق أيضا لهؤلاء المشاهدين المتعة السينمائية المطلوبة - والأصل في صناعة الفن السابع - بالاستعانة بمجموعة ضخمة من كبار النجوم الذين فاز معظمهم بجوائز أوسكار، ومنهم روبرت دي نيرو وهيلاري سوانك وهال بيري وميشيل فايفر وسارة جيسيكا باركر والمطرب جون بون جوفي، بالإضافة لنجوم من الشباب المحبوبين مثل أشتون كوتشر وزاك إيفرون وكاثرين هيجل وجيسيكا بيل.
ولضمان توصيل الرسالة وتحقيق المتعة معا، ليس فقط في أمريكا ولكن في العالم كله، يختار مارشال أن يقدم فيلمه في قالب رومانسي / كوميدي بسيط وشجي وعائلي أيضا، وهو قالب يجيده ويكاد أن يكون متخصصا فيه منذ قدم تحفته "امرأة جميلة"، من بطولة جوليا روبرتس وريتشارد جير، عام 1990.. كما حرص - وبعناية شديدة - على أن يخلو عمله من أي مشاهد أو حتى ألفاظ خادشة للحياء ليستطيع كل أفراد الأسرة مشاهدته، من الصغار إلى الكبار.. فمن السهل جدا ملاحظة أن الفيلم يخلو من التعبيرات السوقية الأمريكية الشهيرة جدا حول العالم، ويعكس ذلك في رأيي تفوقا وثقة في النفس، فالمخرج الكبير يعتمد على الدراما القوية المتماسكة، وليس على البهارات الهوليوودية المألوفة.
ينتمي الفيلم إلى الدراما الأفقية، أو المستعرضة، التي تقوم على العديد من الخطوط الدرامية، والعديد من الشخصيات التي يجمع بينها زمان واحد، أو مكان واحد، أو حدث واحد.. والأفلام في هذه الحالة تكون مثل اللوحات التأثيرية، التي لا ترى سوى خطوط وبقع لونية متنافرة إذا اقتربت منها، لكن إذا ابتعدت عنها ونظرت إليها، وجدتها تشكل وحدة متكاملة.. وفي هذا النوع من الدراما، لا يوجد تصاعد رأسي للأحداث ذو تمهيد وذروة ونهاية، بل تظل الخطوط - أو البقع اللونية - تتسع وتتعمق حتى تحدث في النهاية التأثير المطلوب.
نظرة بانورامية
الزمان في فيلمنا واحد، وهو ليلة رأس السنة، حيث تدور الأحداث في أقل من 24 ساعة تبدأ صباح آخر يوم من 2011.. أما المكان، فرغم ما يبدو من تعدد المواقع، إلا أنها مثل مربعات الشطرنج، كلها مرسومة على رقعة واحدة، وهي هنا مدينة نيويورك، التي يعد الفيلم قصيدة في حبها، ويحرص على استعراض جمالها من دون أي إشارة لمواطن القبح، وهي كثيرة في هذه المدينة التي لا تنام.. ويلخص مارشال نظرته البانورامية المحبة لنيويورك في مشهد بليغ تزور خلاله شخصية "إنجريد" الرئيسية (ميشيل فايفر) متحفا يعرض مجسما كاملا للمدينة بحيث تبدو معالمها واضحة - وإن كانت صغيرة - أمامها وأمامنا.
وداخل نيويورك الكبيرة، تتضح وحدة المكان أكثر في مركز رئيسي يدور حوله الفيلم كله، وهو ميدان "تايمز سكوير" الشهير، الذي تدور فيه غالبية المشاهد، ويشهد الحدث الأكبر في الفيلم، الذي تتطلع لمتابعته معظم الشخصيات ومعظم سكان المدينة، وهو إنزال كرة رأس السنة المضيئة في الدقيقة الأخيرة من العام المنصرم، مع عد تنازلي يعلن عن بداية السنة الجديدة أمام حشد ضخم من الأمريكيين يشبه مليونيات مصر ما بعد الثورة.
يمسك السيناريو بالعديد من الخيوط التي ترتبط بشكل أو بآخر بحفل "تايمز سكوير".. فهناك "ستان" (روبرت دي نيرو) الذي يحتضر متأثرا بالسرطان وتكون أمنيته الأخيرة أن يشهد إنزال الكرة من فوق سطح المستشفى الذي يعالج فيه، وتخفف عنه الممرضة السمراء "إيمي" (هال بيري).. وهناك المطرب "جنسن" (جون بون جوفي) الذي يكلف بإحياء الحفل بينما يعاني من أزمة عاطفية مع حبيبته (كاثرين هيجل)، ولدينا عضوة فرقته المغنية المغمورة التي يتعطل بها المصعد وهي في طريقها للحفل، وتظل حبيسته لعدة ساعات بصحبة جارها "راندي" (أشتون كوشتر).. وترمز "كيم" (سارة جيسيكا باركر) للسلطة الأسرية التي تسعى ابنتها المراهقة للخلاص منها وحضور الحفل مع أصدقائها برغم معارضة أمها.. أما "إنجريد" (فايفر)، فتتمرد على واقعها الرتيب وتضع لنفسها قائمة أمنيات تريد تحقيقها بعد أن تستقيل من عملها، ومنها حضور الحفل في الميدان، ويساعدها على ذلك الشاب "بول" (زاك إيفرون) المليء بالحيوية والمرح.. وهناك "سام" (جوش دوهاميل)، وريث الثورة الضخمة، الذي تتعطل سيارته فيتأخر عن حضور الحفل السنوي لشركة أبيه الراحل.. وأخيرا هناك "كلير" (هيلاري سوانك)، مديرة حفل الميدان، التي تواجه مشكلة تعطل الكرة الكهربائية في منتصف اليوم وتصبح مطالبة بإصلاحها قبل حلول الليل وإلا فقدت وظيفتها.
أعطال كثيرة
وكما هو واضح، تتكرر تيمة "العطل" كثيرا في الفيلم: المصعد، السيارة، والكرة.. ويستغلها المخرج جيدا، ليس فقط لكي يرمز إلى المشكلات التي تواجه الأبطال وتعرقل مسيراتهم في الحياة، ولكن أيضا ليرمز إلى الوقفة التي يجب أن يجريها المرء مع نفسه إذا تعرض لأزمة، لكي يمنح نفسه - وغيره - فرصة أن يبدأ حياته مرة أخرى بشكل جديد ومختلف.. وعلى سبيل المثال، تتغير وجهة نظر وريث الشركة الكبرى في الحياة عندما يلتقي بأسرة رجل دين تولى توصيله بعد تعطل سيارته، وتتغير حياة المغنية المغمورة تماما بعد لقائها الطويل مع جارها في المصعد المتعطل.. وتعبر مديرة الحفل عن هذه الفكرة بشكل مباشر بعد تعطل الكرة، حيث توجه كلمة للجمهور المنتظر تقول فيها إن الكرة توقفت لكي تمنحنا فرصة إعادة حساباتنا ومراجعة كشف حساب العام المنصرم.
ومقابل حماس المخرج لهذه الأفكار الجادة، يدين الفيلم المظاهر التقليدية للاحتفال برأس السنة، ومنها رسائل التهنئة القصيرة عن طريق التليفون المحمول، والتي يقول "راندي" إن الكثيرين يرسلونها بشكل آلي لكل الأرقام التي لديهم رغم أنه قد يمر العام كله من دون أن يحدث اتصال حقيقي بين الطرفين.. كما يرفض الفيلم الزينة التقليدية التي تعلق في مثل هذه المناسبات، ويعبر عن ذلك بشكل بليغ عندما يجمعها "راندي" من أدوار العمارة التي يسكن فيها ليلقيها في القمامة، قائلا إن لائحة العمارة تمنع تعليقها.. وذلك كله هدفه التأكيد على أن الاحتفال الحقيقي برأس السنة يجب أن يكون بتحقيق الأمنيات ومنح الذات أملا جديدا وفرصة ثانية في العام الجديد مهما تأخر الوقت.. وكان هناك تخفيف كوميدي تولى الجانب الأكبر منه تنافس طريف بين أسرتين حول أسبقية ولادة طفليهما في اللحظات الأولى من 2012 للفوز بجائزة مالية مخصصة لذلك، وإن لم يخل هذا المحور من بعد فلسفي تمثل في المقابلة التقليدية بين ميلاد الأطفال ورحيل العجوز المصاب بالسرطان، أو بين الحياة والموت.
وقرب نهاية الفيلم، يبدأ السيناريو في تجميع الخطوط الدرامية والربط فيما بينها، حيث يتضح أن مديرة الحفل هي ابنة المريض المحتضر، وتصحبه إلى سطح المستشفى لكي يحقق أمنيته الأخيرة برؤية إنزال الكرة، في مشهد أداه دي نيرو - كالعادة - باقتدار، خاصة عندما يخلع قلنسوته لكي يستمتع بنسمة أخيرة من هواء نيويورك.. ونعرف أن الأم "كيم" هي الحبيبة المنتظرة للوريث الثري، التي كانت قد أعطته ميعادا في ليلة رأس السنة الماضية لكي يتقابلا بعد عام، وأنها شقيقة الشاب الذي ساعد "إنجريد" على تحقيق أحلامها، إلى آخره.. وهكذا تكتمل اللوحة التأثيرية ويتم البناء الأفقي للفيلم.
كان جاري مارشال قد قدم فيلم "عيد الحب"، الذي ينتمي لنفس النوعية، العام الماضي.. ويبدو أن نجاحه أغراه بتكرار التجربة مع نفس السيناريست، كاثرين فوجيت، وبنفس أسلوب حشد النجوم، إلى درجة أن هناك ممثلين شاركوا في الفيلمين، ومنهم أشتون كوتشر وجيسيكا بيل
No comments:
Post a Comment