Wednesday, February 29, 2012

مقالي عن فيلم "سيما علي بابا" في "القاهرة" 15 نوفمبر 2011

أسامة عبد الفتاح يكتب:
مصير محمد سعد ينتظر أحمد مكي.. في "سيما علي بابا"
** الإسقاطات السياسية الخائبة لا تكفي لصناعة سينما جيدة.. وفكرة "الشبيه" أصبحت مرفوضة مهما كانت المبررات
** الفيلم حاول تقديم الجديد المبتكر فوقع في فخ القديم المستهلك.. وصناعه لم يقدموا أي "بارودي" ساخرة كما تصور الكثيرون
منذ ثلاث سنوات، نشرت مقالا أشدت فيه بالفنان أحمد مكي عندما قرر التوقف عن تجسيد شخصية "هيثم دبور"، وعدم المشاركة في جزء جديد من المسلسل الكوميدي "تامر وشوقية" الذي كان يقدمها من خلاله.. وقتها خلع مكي "باروكة دبور"، وقال إنه لن يعود لارتدائها أبدا حتى لا يصيب الجمهور بالملل، وإنه يكفيه تجسيد الشخصية في أكثر من جزء من المسلسل وفي فيلمين، أحدهما يحمل اسمها، وأضاف بالحرف الواحد: "مش عشان السبوبة نتساخف على الناس"، أي لا يجب أن نكون مصدر مضايقة للمشاهدين لمجرد أن نجمع المال.. وقارنت في المقال بين هذا الموقف الذكي وبين إصرار الفنان محمد سعد على مواصلة تقديم شخصية "اللمبي" حتى أصيب جمهوره بالضجر، مما أثر على إيرادات أفلامه وأسقطه في النهاية من عرش النجومية والجماهيرية إلى هاوية لم يعرف - حتى الآن - كيف يخرج منها.
ودارت الأيام لتشهد ارتكاب مكي نفس الخطأ، ووقوعه في نفس الفخ، من دون أن يتعظ برأس سعد الطائر.. وبدأ الأمر بإعادة استخدام إحدى شخصيات فيلم "طير انت" في مسلسل من جزءين بعنوان "الكبير قوي"، وإن كان مكي قد رفض عمل جزء ثالث رغم نجاح المسلسل.. كما تم عرض صور شخصيات "طير انت" في فيلمه الثاني كبطل مطلق، "لا تراجع ولا استسلام"، ليختار منها جراح تجميل الشبيه الذي يصلح بديلا لمجرم خطير مقتول.. ووقع الخطأ الأكبر عندما تم استدعاء "حزلقوم"، بطل "لا تراجع ولا استسلام"، للقيام بدور البطولة أيضا في "العرض الأول" من اثنين يتكون منهما فيلم مكي الأخير "سيما علي بابا"، المعروض حاليا في دور السينما.
مبررات واهية
ولا تكمن المشكلة الحقيقية في تكرار شخصية "حزلقوم" بقدر ما تكمن في تكرار الدور الذي يلعبه، وهو الشبيه، حيث يحل في الفيلم الأول بديلا للمجرم الخطير، وفي الثاني بديلا لرئيس أحد كواكب الخيالية، في إطار خطة تآمر نمطية للغاية يضعها "كبير الوزراء" (الممثل الواعد هشام إسماعيل) للاستيلاء على الحكم.. ألا يذكرك ذلك بشيء؟ نعم، "سلامة في خير"، و"صاحب الجلالة"، و"المليونير"، وعشرات الأفلام المصرية والأجنبية التي قامت على هذه الفكرة المستهلكة، بما فيها "لا تراجع ولا استسلام" نفسه.. وشخصيا لم أقتنع بالمبرر "الأمني" الذي ساقه هذا الفيلم الأخير لإعادة تقديمها، وهو أن أحدا لن يتصور اللجوء إليها مجددا لفرط ما استهلكت من قبل.. كما لم "أبلع" مبرر "سيما علي بابا" لفرضها على المشاهد مرة أخرى وأرجو أن تكون أخيرة، وهو أنها لم تنفذ من قبل في كوكب "ريفو" الخيالي، فقد سئمت - وكثيرون غيري - هذه الفكرة المقيتة وأرجو أن تختفي من السينما المصرية والعالمية إلى الأبد.
يتكون "سيما علي بابا" من كليب عن طقوس دخول دار السينما وفيلمين: "حزلقوم في الفضاء"، الذي يتتبع مغامرات الشبيه في الكوكب الخيالي، و"الديك في العشة"، عن انتصار مجموعة من الحيوانات الطيبة على ضباع شريرة غازية بمساعدة ديك غريب نصاب يتحول في النهاية إلى بطل.. ولذلك تصور الكثيرون أن الفيلم قائم على فكرة "البارودي"، أو المحاكاة الساخرة، سواء محاكاة دار سينما "علي بابا" نفسها، وفكرة "الفيلمين في بروجرام واحد"، أو محاكاة أفلام حرب الكواكب الأمريكية في الجزء الأول، أو محاكاة أفلام والت ديزني وقصص الأطفال في الجزء الثاني.
القالب والخليط
ورأيي أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، فالحق أن صناع الفيلم لم يقدموا أي "بارودي" من أي نوع، ولم تكن هناك محاكاة ساخرة لأي عمل شهير أو كلاسيكي، وكل ما حدث أنهم استخدموا قالبي أفلام حرب الكواكب وقصص والت ديزني لصب خليط غير موفق للأسف من القصص القديمة، والإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة، والإفيهات واللازمات المكررة، مثل اللازمة التي يؤديها مسئولو الكوكب كلما ذكر اسم "الأرشيدوق" المقدس في الجزء الأول، والتي تحيلك على الفور إلى لازمة فؤاد المهندس "طويل العمر يطول عمره" كلما ذكر اسم السلطان "مارينجوس الأول" في فيلم "صاحب الجلالة".
ويقوم "العرضان" اللذان يتكون منهما الفيلم على مجموعة من القصص النمطية القديمة التي سئمها الجمهور، مثل قصة الشبيه واستخدامه سياسيا في الجزء الأول، وقصة المجرمين التائبين الذين يخلّصون قرية مسالمة من الأشرار الذين يستولون على خيراتها في الجزء الثاني، والتي تعيد إلى الأذهان الفيلم الكلاسيكي الشهير "العظماء السبعة"، وكل ما خرج من عباءته من أفلام، ومنها الفيلم المصري "شمس الزناتي".. وأؤكد مجددا أنني لست مقتنعا بكل الحجج والمبررات والطرق التي اتبعها صناع الفيلم لتمرير إعادة طرح هذه القصص والأفكار النمطية، ومنها الراوي الذي يظل يقول لنا إننا إزاء قصة تقليدية معروفة تنتهي مثل مثيلاتها بالنهاية السعيدة، فنحن نريد قصصا جديدة تختلف عما ألفناه وتربينا عليه من أساطير وحواديت مهما كانت بداياتها ونهاياتها.. فمتى يقدم مكي قصة جديدة؟
القديم والجديد
أقول ذلك وأنا أعرف تماما أن الفن - في أحد تعريفاته - صب لنبيذ قديم في كئوس جديدة، أي أن أفكار الدراما محدودة ويكون رهان صناعها دائما على معالجاتهم الخاصة والمختلفة لها.. لكن المشكلة أن صناع "سيما علي بابا" يكتفون من الجديد بالقشور والشكل فقط، ففي الوقت الذي يوحي فيه تقسيم الفيلم إلى قصتين، وارتداء الممثلين - لأول مرة في تاريخ السينما المصرية - أقنعة حروب الكواكب والحيوانات، بكل ما هو جديد ومبتكر، يكتشف من يشاهد الفيلم أنه وقع في فخ القديم المستهلك، وأن صناع العمل لم يبذلوا أي مجهود في تقديم معالجات ورؤى جديدة ومختلفة للأفكار النمطية التي يطرحونها.
والشيء الوحيد الذي بذل صناع العمل مجهودا فيه، هو الإسقاطات السياسية الخائبة المباشرة التي تحفل بهما القصتان المقدمتان.. ففي جزء "حزلقوم في الفضاء"، هناك إسقاطات على رموز النظام السابق من خلال شخصيتي الشقيقين الضالعين في التجارة الدولية للسلاح، وفي المؤامرة المحاكة للاستيلاء على الحكم، في إشارة واضحة لتجاوزات أبناء المسئولين السابقين.. وهناك كبير الوزراء الفاسد، والشبيه البوهيمي الذي يعلن عبر التليفزيون "تسليم السلطة للشعب"، هكذا بكل بساطة!
تصحيح مسار
وفي جزء "الديك في العشة"، هناك إسقاط على الوضع العربي الراهن من خلال رمز الحيوانات الأليفة المستسلمة للضباع الشريرة التي تنهب ثرواتها - في إشارة للغرب الإمبريالي بالطبع، والتي لا تتمكن من التغلب على الضباع إلا بعد أن تتوحد وتدرك حجم القوة الكامنة داخلها.. والمشكلة أن هذه الإسقاطات جرى تقديمها بكل السطحية، من دون أي محاولة للتعمق أو التبرير الدرامي، حتى بدت في النهاية مثل الدروس التعليمية المباشرة.. والمعروف أن المباشرة لا تكفي لصناعة سينما جيدة، وأن مصيرها النسيان، خاصة مع جمهور واع مثل الجمهور المصري.
لقد وصل أحمد مكي إلى مفترق طرق، وبدأ للأسف يسلك الطريق الخاطئة، وعاقبه جمهوره على ذلك فورا بحرمانه من الإيرادات الضخمة التي اعتاد عليها، والإقبال الكبير على فيلم منافسه أحمد حلمي، وهو ما لمسته بنفسي حين ذهبت لمشاهدة "سيما علي بابا" في مجمع يعرض الفيلمين.. إلا أن الفرصة ما زالت سانحة أمام مكي لتصحيح المسار، ويتطلب ذلك في رأيي توقفه فورا عن تقديم أي شخصية سبق له تجسيدها، وتعاونه مع مؤلفين ومخرجين جدد يمدونه بما يحتاج إليه من دماء وأفكار جديدة

No comments:

Post a Comment