Wednesday, February 29, 2012

مقالي عن فيلم "واحد صحيح" في "القاهرة" 1 فبراير


أسامة عبد الفتاح يكتب:

"واحد صحيح".. تحضير لروح "سهر الليالي"

** ينتمي لجيل جديد من أفلام "السبكية" يقوم على نفس توليفتهم الرابحة لكن يتمتع بمظهر عصري أنيق ومستوى تقني عال

** تامر حبيب لا يزال يدور في فلك مصر البورجوازية التي لا تنشغل سوى بغراميات الأغنياء وانحرافهم الأخلاقي



في أكثر من مناسبة، روى السيناريست تامر حبيب حكايته مع زميله الكبير وحيد حامد، عندما نصحه الأخير بأن ينسى نجاح فيلمه "سهر الليالي" (2003) لكي يستطيع أن يمضي قدما.. وفي كل مرة، كان يبدو على حبيب أنه مقتنع بالنصيحة، لكنه - في كل فيلم تال - لم يكن ينفذها، بل كان يحاول استنساخ "سهر الليالي"، أو تحضير روحه طمعا في تكرار النجاح، ولم يكن ذلك يحدث للأسف، ورغم ذلك لم يتوقف حبيب عن المحاولة، وكأنه "سيزيف" الذي لا يكف عن حمل الصخرة والصعود بها إلى قمة الجبل، رغم أنها في كل مرة تعود للانحدار وتهوي إلى السفح!

وينسحب ذلك على فيلمه الأخير "واحد صحيح"، المعروض حاليا في دور السينما، الذي لا يعدو كونه عملية استنساخ جديدة.. ولا أقصد الشكل، فهو يتغير، ولا حتى القصة والخطوط الدرامية والشخصيات، بل أقصد الأهم: المضمون، و"التيمة" أو الموضوع، والمشروع الذي يعمل عليه حبيب، إن كان لديه مشروع.

حتى الآن، يدور تامر حبيب - في كل أفلامه - في فلك مصر البورجوازية، التي تبدو وطنا آخر غير الذي تربينا فيه ونعرفه جيدا، والتي لا يعيش فيها إلا الأثرياء التافهين ورجال الأعمال ومحدثي النعمة، الذين لا يشغلهم شيء سوى أزماتهم العاطفية وعلاقاتهم الغرامية ومغامراتهم الحسية والجنسية، والذين لا يعانون إلا من الانحلال الأخلاقي والخيانة والفراغ العاطفي، وكأنه لا توجد في مصر - أو العالم - قضايا أخرى يمكن تناولها.. لم يناقش قضية اجتماعية واحدة، لم يرصد أي تحول أو تطور أو ظاهرة في المجتمع الذي يعيش فيه، لم يساهم - مثل الكثيرين من أبناء جيله من الكتاب - في تشريحه أو تحليله، واكتفى بالقشور المحيطة بنماذجه المريضة التافهة.

لا يخرج "واحد صحيح" عن هذه الحدود الضيقة، ولكي تكتمل "طبخته" الحريفة، كان لابد من بعض المنكهات والبهارات التقليدية المعروفة، وهي هنا كثيرة، وسبق تقديمها في عشرات الأعمال السابقة، ومنها علاقة الحب بين شاب مسلم وفتاة مسيحية، والزوج الشاذ جنسيا.. وهكذا أصبح جديرا بأن ينتمي للجيل الجديد من أفلام "السبكية" (الفيلم من إنتاج كريم أحمد السبكي)، وهو جيل يقوم على نفس توليفتهم التجارية الرابحة لكن يتمتع بمظهر عصري أنيق، ومستوى تقني عال.

عصر الحريم

نحن إزاء سينما الرجل "الدونجوان"، الذي تحوم حوله النساء مثل الفراشات، وما إن تقترب من "نوره" حتى تحترق، وهي "تيمة" قديمة مهترئة، قتلت بحثا من قبل في مصر وخارجها، فضلا عن كونها شديدة السلبية، وتعود بالنساء إلى عصر الحريم، إذ لا ترى فيهن سوى أداة لإمتاع الرجل وتحقيق رغباته.. كل نساء الفيلم لا هدف لهن سوى الفوز بالبطل، حتى علاقة الصداقة الجميلة التي قدمها الفيلم في بداياته بين مهندس الديكور البطل "عبد الله" (هاني سلامة) والمصورة "نادين" (بسمة)، تكفل السيناريست بإفسادها قرب النهاية، حيث يتضح أنها تحبه هي الأخرى، وأن ذلك كان السبب الرئيسي في طلاقها من زوجها "فادي" (عمرو يوسف)، صديق وشريك "عبد الله".

ورغم تقديم شخصيات مثقفة (مصورة، مذيعة، طبيبة أمراض نساء، ومربية في كنيسة)، إلا أننا لا نرى منها سوى جانب الوله بالبطل، ولا نكاد نعرف عنها شيئا، حيث تبدو وكأنها قطفت من أشجار، من دون أي محاولة لتعميقها أو إضافة أي أبعاد لها، باستثناء الطبيبة "فريدة" (رانيا يوسف) التي نرى لها أما وأختا فقيرتين يقتصر دورهما على ابتزازها وزوجها ماديا و"الشحاتة" منهما، وتتحمل الأم من أجل ذلك إهانات لا تعقل ولا تصدق من ابنتها.. والغريب أن الجزء البذيء من هذه الإهانات توجهه "الدكتورة" لأمها أمام زوجها، وهو ما لا يمكن أن يحدث، ففي هذه الأوساط قد تتطاول محدثة النعمة على أمها في السر، لكن يصعب أن تفعل ذلك أمام زوجها، الذي قدمت التضحيات وقبلت أن تعيش معه رغم شذوذه لترتقي وتصعد اجتماعيا، لأن تصرفا كهذا ينسف صعودها الاجتماعي من أساسه.

ولا أعرف حقا إلى أي نوع من الطبيبات تنتمي هذه الشخصية التي تمارس كل أنواع الانحراف، فهي تقيم علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج، وتشرب الخمر حتى الثمالة، وتدخن بشراهة، وتشم الهيروين بالمرة، ولا ينقصها سوى أن تتاجر في الأسلحة والمخدرات لكي تتحول إلى كيان إجرامي متكامل.. ولا تسأل على سبيل المثال: كيف تجري هذه الطبيبة المدمنة السكيرة العمليات الجراحية، فهذه الأسئلة "الساذجة" لا توجه إلى مثل هذه الأفلام "الطليعية".

إقحام للدين

وفي العلاقة المحرمة بين الطبيبة والبطل، يعود السيناريست إلى خط درامي كان استخدمه في فيلم "سهر الليالي"، حيث كانت هناك علاقة مماثلة بين الزوجة المحبطة (جيهان فاضل) والشاب "البلاي بوي" (أحمد هارون)، والفارق الوحيد أن إحباطها كان بسبب برود زوجها جنسيا، في حين أن الإحباط في فيلمنا عائد إلى شذوذ الزوج.. ويمتد الاستنساخ إلى شخصية "الدون جوان" نفسها، التي كان فتحي عبد الوهاب قدمها في "سهر الليالي" أيضا.

وكعادة هذه التوليفات السينمائية التجارية، يتم إقحام الدين، ولا مشكلة في ذلك إن كان يجري بعمق وبما يخدم الدراما، لكن صناع "واحد صحيح" يقحمون الدين بشكل شديد السطحية ليس له علاقة بدراما الفيلم، حيث نتابع - فجأة ومن دون مقدمات - مشهدا تؤدي خلاله المذيعة المتحررة "مريم" (ياسمين رئيس) الصلاة، من دون أي مشاهد سابقة أو لاحقة تؤصل هذا الخط الدرامي وتطوره.. وربما قصد السيناريست أن يصنع معادلا موضوعيا لشخصية الفتاة المسيحية المتدينة "أميرة" (كندة علوش)، لكن ذلك بدوره غير واضح، وليس هناك أي رابط بين الشخصيتين سوى أن مشروع ارتباط البطل بكلتيهما يفشل!

وبعد هذا الفشل، وبعد أن تخسر الطبيبة "السوبر" العشيق والزوج معا كما هو متوقع، لا يتبقى للبطل إلا الصديقة التي تحولت إلى حبيبة.. لكن لا يمكنني رغم ذلك أن أقول إن الفيلم يدور حول البحث عن الحب الحقيقي، لأن "الدون جوان" لا يكتشف أنها تحبه وتعتبره أكثر من صديق إلا فيما يشبه الصدفة، أضعف الحيل الدرامية، ويندهش لذلك بشدة (!)، أي أن صناع الفيلم لم يبذلوا أي مجهود لبناء العلاقة، والإيحاء للمشاهد بأنه يبحث عن الحب الحقيقي بينما هو قريب منه.

نجاح تقني

لم ينقذ الفيلم من الغرق الكامل سوى الجانب التقني، بقيادة المخرج هادي الباجوري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، وبجهود مجموعة متميزة من الفنيين، أبرزهم أحمد المرسي في التصوير وفهد في الموسيقى، وإن كنت آخذ على الباجوري موافقته على تنفيذ السيناريو مع وجود العيوب المذكورة، من دون أي محاولة لإصلاحها أو لوضع رؤيته وبصمته الشخصية.

كما بذل الممثلون مجهودا كبيرا لأداء الشخصيات في ظل نمطية بعضها، وقصور رسم البعض الآخر، وتميز أداء معظمهم، خاصة ياسمين رئيس، التي تؤكد لثاني فيلم على التوالي (بعد "إكس لارج") أنها وجه له مستقبل.. أما هاني سلامة، فقد تخلص أخيرا من طريقة أدائه المعهودة التي تعتمد على "التبريق" بالعينين، وأصبح أنضج وأبسط وأكثر التزاما بالشخصية التي يؤديها، ونرجو أن يستمر على ذلك

No comments:

Post a Comment