أسامة عبد الفتاح يكتب:
"صعود كوكب الشمبانزي".. ثورة "سلمية" على وحشية البشر
كل ما يتعلق بالاسم التجاري "تمرد كوكب القرود" – الذي تم اختياره للفيلم الأمريكي Rise Of The Planet Of The Apes المعروض حاليا في مصر – خاطئ.. فالاسم هكذا يوحي بأن هناك كوكبا قائما بالفعل للقرود وأن هذا الكوكب يتمرد، ولا ندري على من، أو لماذا يتمرد أصلا – على البشر أو غيرهم – إن كان قائما ومستقرا؟
الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم الأمريكي هي "صعود" أو "قيام" أو حتى "ظهور" الكوكب، وهو ما يتسق مع مضمون الفيلم، الذي يحذر من صعود شأن القردة وتهديدها البشر واستيلائها على الأرض إذا استمرت معاملة البشر السيئة لها، وكذلك إذا استمرت التجارب الطبية الخطيرة التي يجريها الإنسان على الحيوانات.
ثم أن الأمر لا يتعلق أصلا بالقرود، بل بالشمبانزي، وهذا واضح وضوح الشمس في حوار الفيلم وأحداثه، ويتسق – بدوره – أكثر مع المضمون، حيث أن الشمبانزي، بمعدل ذكائه، هو المؤهل لتحدي الإنسان إذا طرأت عليه طفرات علمية.. وعليه، تصبح الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم: "صعود كوكب الشمبانزي".
أسئلة فلسفية
وقضية الاسم مهمة جدا فيما يتعلق بهذا الفيلم تحديدا، ولها علاقة مباشرة بنوعيته وهويته، حيث أن اسم "تمرد كوكب القرود" يحيل بشكل أو بآخر إلى نوعية الخيال العلمي المستقبلي، بكل عناصره وتوابله المعروفة، في حين أن الفيلم تدور أحداثه في الوقت الحالي، وفي قلب مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية.. صحيح أن تصنيفه "الرسمي" يتبع الخيال العلمي، إلا أن وقوع أحداثه في الوقت الحالي، ومناقشته بعض القضايا الآنية مثل التجارب العلمية البشرية الجامحة ومرض فقدان الذاكرة التدريجي (ألزهايمر)، يمنحانه هوية مختلفة، اجتماعية ومعاصرة.
كما يطرح الفيلم أسئلة فلسفية معقدة عن التقدم العلمي للإنسان، وما إذا كان من المفترض أن يتوقف عند حد معين، خشية أن يتحول إلى نقمة.. فالقصة تدور باختصار حول عالم شاب بأحد معامل الأدوية الأمريكية العملاقة يجري تجارب على الشمبانزي لتطوير دواء لعلاج الألزهايمر.. وبما أن الدواء علاج جيني بشري يعمل على إصلاح خلايا المخ التالفة، فهو يؤدي إلى طفرات غير مسبوقة في معدلات ذكاء الشمبانزي تمكنه من تحدي الإنسان – بل والتفوق عليه – عند وقوع مواجهة دموية بينهما بسبب سوء معاملة الإنسان للشمبانزي في مركز يفترض أنه مخصص لرعاية هذه الحيوانات، لكنه يتحول إلى مكان لإساءة معاملتها وتعذيبها.
وهناك قضية أخرى يطرحها الفيلم بشكل غير مباشر، ويمكن وضع اليد عليها في المستوى التالي لفهمه واستيعابه، وهي أن الخطر القادم الذي يهدد الإمبراطورية الأمريكية يكمن في تطور قدرات وذكاء المخلوقات الأدنى.. وهذه المخلوقات قد تكون – بالنسبة للإنسان الأنجلوساكسوني المتغطرس – غيره من البشر في العالمين الثاني والثالث، وليس فقط الشمبانزي!
سلسلة لها تاريخ
أما أغرب تفسير لنجاح الفيلم والإقبال عليه في مصر، حيث تجاوزت إيراداته مليون جنيه رغم عرضه في خمس صالات فقط، فهو المتداول على بعض المواقع الإلكترونية، وملخصه أن المصريين أقبلوا على الفيلم لأنه يعبر عن ثورة 25 يناير، فهو يشهد وصول جموع الشمبانزي إلى مرحلة الغضب والثورة بسبب القمع والتعذيب والمعاملة السيئة التي تتعرض لها في "المعتقل" الخاص بها.. كما يقدم هذه الثورة باعتبارها "سلمية"، حيث يرفض قائد الشمبانزي أي عمليات قتل غير مبررة للبشر، ولا يوافق سوى على إيذاء من شاركوا بشكل مباشر في تعذيب أقرانه وقمعهم.. وتتأكد سلمية الثورة في النهاية، حين يتضح أن كل ما تريده جموع الشمبانزي أن يتركها الإنسان تعيش في سلام وهدوء في غابة الصنوبر على أطراف مدينة سان فرانسيسكو.
والمعروف أن سلسلة أفلام "كوكب القرود" من أشهر كلاسيكيات الخيال العلمي عبر تاريخ هوليوود، وقد جاءت بتصورات ورؤى مختلفة، كلها قائمة على رواية الأديب الفرنسي بيير بول الصادرة بنفس العنوان عام 1963، وأول أفلام السلسلة أنتج عام 1968 من إخراج فرانكلين شافنر وبطولة تشارلتون هيستون، وكان بمثابة ثورة في تقنيات وماكياج الأقنعة المطاطية التي صممها ونفذها جون شامبيوز وحصل عنها على جائزة الأوسكار.
ثم صدرت عدة أجزاء منها "تحت كوكب القرود" عام 1970، و"غزو كوكب القرود" عام 1972، و"معركة من أجل كوكب القرود" عام 1973، كما تم إنتاج اثنين من المسلسلات التليفزيونية، وبعض مسلسلات الرسوم المتحركة، وكلها نسخ تستثمر نجاح السلسلة وتطور أشكال وأقنعة القرود.. وبعد "هدنة" دامت نحو ثلاثة عقود، قدم المخرج الكبير تيم بيرتون أحد أهم أفلام القرود عام 2001، ونظرا لنجاحه الساحق تم اختياره لحفظه في سجل الأعمال الوطنية الأمريكية من قبل مكتبة الكونجرس نظرا لأهميته الثقافية والتاريخية والجمالية.
أسلوب مختلف
وظن الكثيرون أن نجاح بيرتون سيكتب كلمة النهاية للسلسلة الشهيرة، حتى ظهر فيلم العام الحالي الذي قام ببطولته جيمس فرانكو، وجون ليثكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، من إخراج روبرت وايت.. وبالأفكار التي سبق توضيحها، استطاع الفيلم الجديد الاستقلال عن ثوابت السلسلة المعروفة، وإعادة طرح القصة بأسلوب جديد مختلف تماما عما سبق.. صحيح أنه يستغل الاسم التجاري، لكنه يظهر بشكل درامي وتقني مميز يجعله مستقلا عن السلسلة، ويحمل من الإثارة بقدر ما يحمل من عمق بطرحه جدلا أخلاقيا دائرا حاليا في الدوائر العلمية التي تتخصص في علم الجينات، فيحذر من فكرة العبث بالجينات البشرية لما في ذلك من مضار وخطورة.
كما تميز تقنيا بتصميم حيوانات الشمبانزي بتقنيات الكمبيوتر والجرافيك، على عكس الأعمال السابقة، حين كان يؤدي ممثلون أدوار القرود مستعينين بالأقنعة وفنون الماكياج.. ومن فرط إتقان الجرافيك، تفوق أداء الشمبانزي "الإلكتروني" على أداء الممثلين، الذين كانوا أضعف ما في العمل على الإطلاق، بمن فيهم البطل جيمس فرانكو، الذي كان قد رشح للأوسكار عن دور شاب متسلق مغامر في فيلم "127 ساعة"، حيث لا يبدو مقنعا على الإطلاق في دور العالم النابغة، مما يدل على أنه مؤهل للعب أنواع معينة من الأدوار وليست لديه الموهبة الكافية لتجسيد كل الشخصيات.
والمشكلة الأكبر في الفيلم أنه لا يوجد أي نوع من الانسجام أو "الكيمياء" بين فرانكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، التي تؤدي دور دكتورة بيطرية تتعاطف مع قضية البطل وتقع في حبه، رغم جمالها وحضورها الواضحين.. والسبب الواضح في رأيي أن الدراما لم تهتم بهذه العلاقة وتطورها، حيث لا يبدو على البطلين أنهما ارتبطا بعلاقة معا امتدت لسنوات، ويخيم البرود على المشاهد التي تجمعهما.
البطل الحقيقي للفيلم هو الفريق التقني من مصورين ومونتيرين ومصممي الخدع والمؤثرات البصرية، الذين دخلوا تحديا كبيرا لعمل "الجاميه فو"، أو ما لم يشاهده أحد من قبل، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، وتجلت إمكانياتهم – على سبيل المثال – في عمل مشاهد الخدع والمؤثرات في "عز النهار"، في حين كان المتعارف عليه في السابق أن "تتستر" الخدع بمشاهد الليل، لمداراة أي عيوب أو هفوات
"صعود كوكب الشمبانزي".. ثورة "سلمية" على وحشية البشر
كل ما يتعلق بالاسم التجاري "تمرد كوكب القرود" – الذي تم اختياره للفيلم الأمريكي Rise Of The Planet Of The Apes المعروض حاليا في مصر – خاطئ.. فالاسم هكذا يوحي بأن هناك كوكبا قائما بالفعل للقرود وأن هذا الكوكب يتمرد، ولا ندري على من، أو لماذا يتمرد أصلا – على البشر أو غيرهم – إن كان قائما ومستقرا؟
الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم الأمريكي هي "صعود" أو "قيام" أو حتى "ظهور" الكوكب، وهو ما يتسق مع مضمون الفيلم، الذي يحذر من صعود شأن القردة وتهديدها البشر واستيلائها على الأرض إذا استمرت معاملة البشر السيئة لها، وكذلك إذا استمرت التجارب الطبية الخطيرة التي يجريها الإنسان على الحيوانات.
ثم أن الأمر لا يتعلق أصلا بالقرود، بل بالشمبانزي، وهذا واضح وضوح الشمس في حوار الفيلم وأحداثه، ويتسق – بدوره – أكثر مع المضمون، حيث أن الشمبانزي، بمعدل ذكائه، هو المؤهل لتحدي الإنسان إذا طرأت عليه طفرات علمية.. وعليه، تصبح الترجمة الصحيحة لاسم الفيلم: "صعود كوكب الشمبانزي".
أسئلة فلسفية
وقضية الاسم مهمة جدا فيما يتعلق بهذا الفيلم تحديدا، ولها علاقة مباشرة بنوعيته وهويته، حيث أن اسم "تمرد كوكب القرود" يحيل بشكل أو بآخر إلى نوعية الخيال العلمي المستقبلي، بكل عناصره وتوابله المعروفة، في حين أن الفيلم تدور أحداثه في الوقت الحالي، وفي قلب مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية.. صحيح أن تصنيفه "الرسمي" يتبع الخيال العلمي، إلا أن وقوع أحداثه في الوقت الحالي، ومناقشته بعض القضايا الآنية مثل التجارب العلمية البشرية الجامحة ومرض فقدان الذاكرة التدريجي (ألزهايمر)، يمنحانه هوية مختلفة، اجتماعية ومعاصرة.
كما يطرح الفيلم أسئلة فلسفية معقدة عن التقدم العلمي للإنسان، وما إذا كان من المفترض أن يتوقف عند حد معين، خشية أن يتحول إلى نقمة.. فالقصة تدور باختصار حول عالم شاب بأحد معامل الأدوية الأمريكية العملاقة يجري تجارب على الشمبانزي لتطوير دواء لعلاج الألزهايمر.. وبما أن الدواء علاج جيني بشري يعمل على إصلاح خلايا المخ التالفة، فهو يؤدي إلى طفرات غير مسبوقة في معدلات ذكاء الشمبانزي تمكنه من تحدي الإنسان – بل والتفوق عليه – عند وقوع مواجهة دموية بينهما بسبب سوء معاملة الإنسان للشمبانزي في مركز يفترض أنه مخصص لرعاية هذه الحيوانات، لكنه يتحول إلى مكان لإساءة معاملتها وتعذيبها.
وهناك قضية أخرى يطرحها الفيلم بشكل غير مباشر، ويمكن وضع اليد عليها في المستوى التالي لفهمه واستيعابه، وهي أن الخطر القادم الذي يهدد الإمبراطورية الأمريكية يكمن في تطور قدرات وذكاء المخلوقات الأدنى.. وهذه المخلوقات قد تكون – بالنسبة للإنسان الأنجلوساكسوني المتغطرس – غيره من البشر في العالمين الثاني والثالث، وليس فقط الشمبانزي!
سلسلة لها تاريخ
أما أغرب تفسير لنجاح الفيلم والإقبال عليه في مصر، حيث تجاوزت إيراداته مليون جنيه رغم عرضه في خمس صالات فقط، فهو المتداول على بعض المواقع الإلكترونية، وملخصه أن المصريين أقبلوا على الفيلم لأنه يعبر عن ثورة 25 يناير، فهو يشهد وصول جموع الشمبانزي إلى مرحلة الغضب والثورة بسبب القمع والتعذيب والمعاملة السيئة التي تتعرض لها في "المعتقل" الخاص بها.. كما يقدم هذه الثورة باعتبارها "سلمية"، حيث يرفض قائد الشمبانزي أي عمليات قتل غير مبررة للبشر، ولا يوافق سوى على إيذاء من شاركوا بشكل مباشر في تعذيب أقرانه وقمعهم.. وتتأكد سلمية الثورة في النهاية، حين يتضح أن كل ما تريده جموع الشمبانزي أن يتركها الإنسان تعيش في سلام وهدوء في غابة الصنوبر على أطراف مدينة سان فرانسيسكو.
والمعروف أن سلسلة أفلام "كوكب القرود" من أشهر كلاسيكيات الخيال العلمي عبر تاريخ هوليوود، وقد جاءت بتصورات ورؤى مختلفة، كلها قائمة على رواية الأديب الفرنسي بيير بول الصادرة بنفس العنوان عام 1963، وأول أفلام السلسلة أنتج عام 1968 من إخراج فرانكلين شافنر وبطولة تشارلتون هيستون، وكان بمثابة ثورة في تقنيات وماكياج الأقنعة المطاطية التي صممها ونفذها جون شامبيوز وحصل عنها على جائزة الأوسكار.
ثم صدرت عدة أجزاء منها "تحت كوكب القرود" عام 1970، و"غزو كوكب القرود" عام 1972، و"معركة من أجل كوكب القرود" عام 1973، كما تم إنتاج اثنين من المسلسلات التليفزيونية، وبعض مسلسلات الرسوم المتحركة، وكلها نسخ تستثمر نجاح السلسلة وتطور أشكال وأقنعة القرود.. وبعد "هدنة" دامت نحو ثلاثة عقود، قدم المخرج الكبير تيم بيرتون أحد أهم أفلام القرود عام 2001، ونظرا لنجاحه الساحق تم اختياره لحفظه في سجل الأعمال الوطنية الأمريكية من قبل مكتبة الكونجرس نظرا لأهميته الثقافية والتاريخية والجمالية.
أسلوب مختلف
وظن الكثيرون أن نجاح بيرتون سيكتب كلمة النهاية للسلسلة الشهيرة، حتى ظهر فيلم العام الحالي الذي قام ببطولته جيمس فرانكو، وجون ليثكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، من إخراج روبرت وايت.. وبالأفكار التي سبق توضيحها، استطاع الفيلم الجديد الاستقلال عن ثوابت السلسلة المعروفة، وإعادة طرح القصة بأسلوب جديد مختلف تماما عما سبق.. صحيح أنه يستغل الاسم التجاري، لكنه يظهر بشكل درامي وتقني مميز يجعله مستقلا عن السلسلة، ويحمل من الإثارة بقدر ما يحمل من عمق بطرحه جدلا أخلاقيا دائرا حاليا في الدوائر العلمية التي تتخصص في علم الجينات، فيحذر من فكرة العبث بالجينات البشرية لما في ذلك من مضار وخطورة.
كما تميز تقنيا بتصميم حيوانات الشمبانزي بتقنيات الكمبيوتر والجرافيك، على عكس الأعمال السابقة، حين كان يؤدي ممثلون أدوار القرود مستعينين بالأقنعة وفنون الماكياج.. ومن فرط إتقان الجرافيك، تفوق أداء الشمبانزي "الإلكتروني" على أداء الممثلين، الذين كانوا أضعف ما في العمل على الإطلاق، بمن فيهم البطل جيمس فرانكو، الذي كان قد رشح للأوسكار عن دور شاب متسلق مغامر في فيلم "127 ساعة"، حيث لا يبدو مقنعا على الإطلاق في دور العالم النابغة، مما يدل على أنه مؤهل للعب أنواع معينة من الأدوار وليست لديه الموهبة الكافية لتجسيد كل الشخصيات.
والمشكلة الأكبر في الفيلم أنه لا يوجد أي نوع من الانسجام أو "الكيمياء" بين فرانكو والممثلة الهندية فريدا بينتو، التي تؤدي دور دكتورة بيطرية تتعاطف مع قضية البطل وتقع في حبه، رغم جمالها وحضورها الواضحين.. والسبب الواضح في رأيي أن الدراما لم تهتم بهذه العلاقة وتطورها، حيث لا يبدو على البطلين أنهما ارتبطا بعلاقة معا امتدت لسنوات، ويخيم البرود على المشاهد التي تجمعهما.
البطل الحقيقي للفيلم هو الفريق التقني من مصورين ومونتيرين ومصممي الخدع والمؤثرات البصرية، الذين دخلوا تحديا كبيرا لعمل "الجاميه فو"، أو ما لم يشاهده أحد من قبل، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، وتجلت إمكانياتهم – على سبيل المثال – في عمل مشاهد الخدع والمؤثرات في "عز النهار"، في حين كان المتعارف عليه في السابق أن "تتستر" الخدع بمشاهد الليل، لمداراة أي عيوب أو هفوات