Tuesday, April 17, 2012


أسامة عبد الفتاح يكتب:

احتفال "ثلاثي الأبعاد" بمئوية "تايتانيك"

** 300 مصمم جرافيك و750 ألف ساعة عمل لصناعة نسخة جديدة (3D) من الفيلم

** سحر الفيلم كما هو رغم مرور 15 عاما على إنتاجه.. ونجاح عرضه بالقاهرة خير دليل

حلت أمس الأول، الأحد 15 أبريل 2012، الذكرى المئوية لغرق السفينة "تايتانيك"، أشهر كارثة بحرية في تاريخ البشرية الحديث.. وفي الوقت الذي أعادت فيه وسائل الإعلام الدولية التفاصيل الدقيقة للكارثة إلى الأذهان، لاقت المناسبة ما تستحقه من اهتمام واحتفال على جميع المستويات في العديد من أنحاء العالم.. وأكثر ما يهمني في هذه الاحتفالات، إعادة طرح فيلم "تايتانيك"، للمخرج الكندي جيمس كاميرون، في دور العرض حول العالم بنسخ جديدة ثلاثية الأبعاد (3D)، في استثمار واضح للنجاح المدوي الذي حققه الفيلم لدى عرضه لأول مرة عام 1997، وفي استغلال ذكي للمناسبة تحولت بسببه نسخة الفيلم الجديدة إلى أيقونة المئوية وحدثها الرئيسي.

وأشرف كاميرون على عملية تحويل الفيلم إلى 3D بنفسه، ومعه صديقه وشريكه المنتج جون لاندو، الذي عمل معه في "تايتانيك" وفي الكثير من الأفلام، وقال كاميرون عن التجربة: "تقنية ثلاثي الأبعاد لا تثري فقط مشاهد ولحظات غرق السفينة ومشاهد الأكشن، بل المشاهد العاطفية والدرامية، فقد رفعت الفيلم لمستوى آخر وجعلت الجمهور يشعر بالخطر والخوف على قصة حب البطلين طوال الوقت".

وحضر كاميرون أول عرض للنسخة الجديدة في لندن الأسبوع الماضي، وقال على هامش الاحتفال: "لقد عرضناه أمام الجمهور، وحصل على ردود أفعال جيدة. وهذا تقدير لجميع من عمل في الفيلم".. كما حضرت العرض بطلة الفيلم كيت وينسليت، وقالت - ردا على سؤال عما إذا كانت تتوقع أن تحقق النسخة ثلاثية الأبعاد من الفيلم نفس النجاح الذي حققته نسخته الأصلية: "إنه فيلم رائع.. هذا شيء أفخر به.. كما أن الناس ما زالوا يحبونه حتى اليوم، لذا أعتقد أنهم سيتابعون نسخته الجديدة".

جمهور جديد

ومن أجل تحويل الفيلم، الذي حقق أرباحاً تصل إلى 1.8 مليار دولار لدى عرضه الأول، إلى نسخة ثلاثية الأبعاد، استعان كاميرون بنحو 300 مصمم جرافيك، عملوا لأكثر من 750 ألف ساعة.. وقال أحد هؤلاء المصممين: "لقد صممناه لجمهور جديد يرغب في التعرف على تايتانيك على الشاشة الكبيرة. فالناس عادةً ما يعتقدون أن الأفلام ثلاثية الأبعاد ترتبط بالإثارة، بينما هي مرتبطة أساساً بالدراما، لأنها تحسن من تأثير اللحظات الحميمية".

أراد صناع الفيلم أن يعطوا فرصة لجيل القرن الحادي والعشرين لمشاهدة الفيلم في السينما، خاصة مع تقديمه بالخاصية التكنولوجية الجديدة، حيث سيجذب جمهورا جديدا بجانب الجمهور القديم للفيلم، وعن ذلك قال جون لاندو: "مأساة (تايتانيك) مازالت صالحة للعرض حتى الآن رغم مرور 15 عاما على العرض الأول، وإذا تم إنتاج فيلم عن الكارثة مرة أخرى، بالتأكيد سيقدم بتقنية 3D، لكن التكنولوجيا سمحت لنا بأن نحتفظ بفيلمنا الناجح ونعيده بشكل جديد ومختلف وكأنه نوع من الجائزة لي ولكاميرون".

عن نفسي، شاهدت النسخة الجديدة في إحدى دور عرض القاهرة الأسبوع الماضي، واندهشت من استمرار مفعول سحر الفيلم حتى الآن، ليس فقط لأنه عرض تجاريا قبل 15 عاما، ولكن أيضا لأنه عرض تليفزيونيا عشرات المرات، لكن يبدو أن هذا السحر لا يقاوم، وأن هناك بالفعل جيلا جديدا يتطلع لمشاهدته في السينما - خاصة بالنسخة الجديدة - بعد أن سمع الكثير عن أسطورة الفيلم والحدث معا.. فقد امتلأت قاعة العرض عن آخرها رغم أن الحفلة التي اخترتها كانت الواحدة ظهرا، وفي يوم عمل (الخميس الماضي)، وفي توقيت يستعد خلاله الطلاب لأداء امتحانات نهاية العام.. بل أن معظم الموجودين كانوا من الشباب والطلاب، وحدث أن ابنتي قالت لي - قبل بداية العرض - إنني أكبر الحاضرين سنا!

نوعية لا أفضلها

بشكل عام، لا أميل لمشاهدة الأفلام ثلاثية الأبعاد، لأنها ترتبط في الأغلب بنوعية سينمائية لا أفضلها تدور في فلك "الميتافيزيقي" و"الخزعبلي"، وتتميز بالأكشن والعنف المبالغ فيهما.. وأذكر أنني تعمدت مشاهدة فيلم "أفاتار"- وهو بالمناسبة لنفس المخرج، جيمس كاميرون - من دون ارتداء النظارة الخاصة بمشاهدة تلك الأفلام، لأنني كنت أقدر فكرته ورسالته لكن لم أكن أود تلقيه بتقنية الأبعاد الثلاثة.

وفيما يخص "تايتانيك"، الذي ارتديت من أجله النظارة هذه المرة، فقد شعرت في البداية بالغربة عندما قارنت ما أشاهده بالفيلم الأصلي، خاصة في مشاهد ما قبل أحداث الغرق، والتي لم تكن تحتاج - في رأيي - إلى هذه التقنية.. لكن بمرور الوقت، ومع بدء مشاهد الكارثة، زال الشعور بالغربة، وانطلقت في تلقي الفيلم مع نسيان النظارة والأبعاد الثلاثة.. وفي النهاية، أيقنت أن التقنية الجديدة أضافت بالفعل إلى "تايتانيك" ولم تنتقص شيئا من سحره أو تأثيره.

وفي إطار الاهتمام الدولي، أعلنت منظمة التربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، التابعة للأمم المتحدة، حماية حطام السفينة كتراث إنساني ضد عمليات التدمير والتخريب. وتقضي اتفاقية اليونسكو، التي دخلت عام 2009 حيز التنفيذ، بحماية التراث الحضاري الغارق تحت مياه البحار بعد مرور مائة عام على غرقه. ودعت المديرة العامة لمنظمة، إيرينا بوكوفا، الغواصين - في بيان صدر عنها - إلى عدم إلصاق أي معالم تذكارية على حطام "تايتانيك" أو تخزين مخلفات من أي نوع هناك. وأكدت أن هناك حطام آلاف القطع الأخرى تحت مياه البحار والمحيطات يجب فرض الحماية عليها، قائلة: "كل هذه القطع الغارقة نماذج أثرية تمثل قيمة علمية كبيرة، كما أنها تمثل ذكرى لفواجع بشرية تستوجب معاملة خلفياتها باحترام لائق".

استعادة الحدث

واحتفالا بالذكرى المئوية، نُظمت رحلة على متن سفينة بريطانية عصرية انطلقت في نفس يوم إبحار "تايتانيك" (10 أبريل)، وعلى نفس المسار الذي سلكته السفينة المنكوبة قبل قرن من الزمان، وشارك فيها أحفاد الضحايا. وارتدى البعض الملابس التي كانت سائدة عام 1912 من فراء وقبعات للنساء وحلل وقبعات مستديرة للرجال.. وركبوا السفينة من ميناء ساوثهامتون - على الساحل الجنوبي لبريطانيا - متجهين إلى نيويورك، الميناء الذي لم يقدر ل"تايتانيك" أن تصل إليه.. ووقف الركاب على السطح المكشوف من السفينة وأخذوا يلوحون لمودعيهم مقلدين أجدادهم تعيسي الحظ.

ودفع 1309 ركاب من 28 دولة 8 آلاف جنيه إسترليني في التذكرة الواحدة ليكونوا ضمن هذه الرحلة، التي حرص القائمون عليها على استعادة الأجواء التي كانت سائدة في ذلك الزمن، من الموسيقى إلى موائد العشاء الفاخرة، كما ألقى خبراء بحريون محاضرات عن "تايتانيك"، التي تم إدراجها ضمن قائمة التراث الإنساني.. وألقي أقارب الضحايا الورود في الميناء الذي أبحرت منه السفينة منذ مائة عام ووقفوا دقيقة صمت حدادا على أرواح الضحايا والبحارة، وخلال الحفل أطلق العاملون في الميناء صفارة السفينة التي تشبه تلك التي أطلقتها "تايتانيك" عند مغادرتها الميناء.

"تايتانيك" بنيت عام 1911 كرمز للثورة الصناعية، ووصفت وقتها بأنها أكبر وأفخم شيء متحرك صنعه الإنسان طوال تاريخه.. ورغم ذلك، فقد غرقت في أولى رحلاتها عبر المحيط الأطلنطي بين العالمين القديم والجديد، بعد أن اصطدمت بجبل جليدي قبل منتصف ليل 14 أبريل 1912، وهوت إلى أعماق المحيط بعد ذلك بنحو ساعتين وأربعين دقيقة فقط، في الساعات الأولى من يوم 15 أبريل 1912، في نهاية مأساوية لحياة أكثر من 1500 شخص من أصل أكثر من 2200 كانوا على متنها، حيث لم يتم إنقاذ سوى 706 أشخاص فقط، معظمهم من النساء والأطفال.

No comments:

Post a Comment