Monday, April 2, 2012


أسامة عبد الفتاح يكتب:

"انفصال" الإيراني.. أحدث ضحايا هجمات المتأسلمين

** الجماعات المتطرفة وراء منع عرض أفضل أفلام الأوسكار الأجنبية بكلية الصيدلة

** اتهام الفيلم بنشر الفكر الشيعي والعلماني ونصرة نظام الرئيس السوري!!

لم يحمل الأسبوع الفائت سوى المزيد من أنباء وأحداث الاعتداء على حريات الرأي والتعبير والإبداع، في استمرار للمؤشرات الخطيرة على المستقبل المظلم لهذه الحريات في مصر ما بعد الثورة، خاصة بعد اكتساح المتأسلمين للانتخابات البرلمانية.. فبعد الحكم الذي قضت به إحدى محاكم القاهرة في الثاني من فبراير الماضي بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر وتغريمه ألف جنيه لإدانته ب "الإساءة إلى الإسلام" في أكثر من عمل سينمائي ومسرحي، وطرد فريق عمل مسلسل "ذات" من كلية الهندسة بجامعة عين شمس - في الثامن من فبراير - بسبب اعتراض طلاب متشددين على "الملابس القصيرة" للممثلات، ورفض وزارة الأوقاف - أوائل الشهر الحالي - تصوير بعض مشاهد فيلم "فرش وغطا" بجامع السيدة نفيسة، انضم الفيلم الإيراني "انفصال"، الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي الشهر الماضي، إلى قائمة ضحايا الفكر الرجعي المتطرف، رغم أنه فيلم "محجب"، شأن كل الأفلام الإيرانية!



فقد منعت إدارة كلية الصيدلة بجامعة القاهرة عرض الفيلم في أحد مدرجاتها الثلاثاء الماضي، وتعددت الأسباب التي ترددت في وسائل الإعلام، من دون تأكيد أو إعلان رسمي من قبل مسئولي الكلية، ومنها أن الفيلم "ينشر الفكر الشيعي"، وأن عرضه يعد تأييدا لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، لأنه مدعوم من نظام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد!



وقال محمد صابر، مقرر أسرة "ألوان" بالكلية: "كان من الطبيعي أن يتم إلغاء الأنشطة الطلابية الجامعية بتعليمات أمنية قبل الثورة، لكن الأمر يتم الآن وفقا لتعليمات إخوانية - سلفية"، وذلك بعد فشل أعضاء الأسرة في إقناع إدارة الكلية بعرض الفيلم الإيراني ضمن أنشطة الأسرة الطلابية التي تهدف إلى الرقي بالثقافة السينمائية والفنية لدى طلبة الكلية عن طريق عرض أفلام سينمائية ووثائقية من مدارس السينما المختلفة حول العالم.

شرط غريب

وجاء تعنت الرقيب الجامعي رغم حصول الأسرة الطلابية على موافقة كتابية من وكيل كلية الصيدلة، الدكتورة رمزية البقري، على حجز أحد مدرجات الكلية لعرض الفيلم، بعد أن شاهدته ووافقت عليه. وأشار صابر إلى أن الجدل حول عرض الفيلم بدأ مع الإعلان عن العرض، حيث اعترض طلاب التيارات المتأسلمة بدعوى إسهام العرض في نشر الفكر الشيعي ونصرة بشار ضد سوريا، بالإضافة إلى نشر الفكر الإلحادي والعلماني!

وأضاف مقرر "ألوان" أنه فوجئ مع رفاقه باستدعائهم لمكتب وكيل الكلية التي طالبتهم إدارتها في البداية بإلغاء العرض، ثم وافقت على عرضه بشرط تعهد الطلاب كتابيا بمسئوليتهم الشخصية عن تأمين العرض وإلغائه في حالة حدوث أي شكوى.. وقال: "وافقنا رغم غرابة الشرط الذي وضعته إدارة الكلية، لكننا فوجئنا باستدعائنا مرة أخرى إلى مكتب عميد الكلية الدكتورة عزة أغا التي أخطرتنا بإلغاء العرض دون مناقشة، وبررت ذلك بحجة أن الكلية ليست دار عرض، وليست مكانا لمثل هذه الأنشطة، ولا توجد جدوى أو فائدة من عرض فيلم داخل الكلية، بالإضافة إلى تذرعها بأن قصة ومحتوى الفيلم لا يتناسبان مع الكلية".

واستنكرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان موقف إدارة كلية الصيدلة، وقالت - في بيان - إن الفيلم الذي حاز على العديد من الجوائز الدولية المهمة، لقيمته الفنية وعمقه الإنساني، لا يحمل طابعاً سياسياً أو دينياً قد تتذرع إدارة الكلية بهما لمنعه، بل يناقش فكرة الصراع الناتج عن الاختيار بين الهجرة أو البقاء والانتماء للوطن والأسرة، لذا وجدت الشبكة العربية أن موقف الكلية جاء متعسفا، ومناهضا لحرية الإبداع الفني، خاصة أنها سبق ومنحته تصريحاً بالعرض بعد مشاهدته كاملاً، ولكنها تراجعت بناء على اعتراض جماعات متشددة داخل أسوار الجامعة، مما تسبب في غضب الطلبة الذين فشلوا في إقناع القائمين على إدارة الكلية بعرضه في إطار النشاط الطلابي الثقافي.

منطق متشدد

ورغم أن الجماعات المتشددة، التي حاربت عرض الفيلم داخل الكلية، استندت في منطقها إلى أنه يدعو لنشر الفكر الشيعي في مصر ونصرة نظام بشار الأسد ضد سوريا ونشر الفكر العلماني - وهذا ما لم يرد في الإطار الدرامي للفيلم ولم يشر إليه من قريب أو بعيد - إلا أن رضوخ إدارة الكلية لهذا الآراء، يأتي ضربة لحرية الإبداع، لاسيما أن الجامعات يفترض أن تكون حائط الصد الأول في أي مجتمع ضد دعاوي التشدد والرقابة على الإبداع الفني أو الأكاديمي أو الأدبي.

وقال البيان: "إن تأصيل مبدأ حرية الإبداع يبدأ من داخل العملية التعليمية، فكيف نشجع طالباً على الإبداع وحرية الرأي والتعبير إذا كنا نحاربه ونقمعه في سنوات دراسته؟"، مشيرا إلى أن الجامعات المصرية يجب أن تتخلص من دور الرقيب الذي رسمه لها النظام السابق، وألا تنساق وراء أي اتجاه متشدد يعيدها إلى العصور الظلامية، فالفن هو ضمير الأمم، ولا يجب منعه بناء على أفكار دينية أو سياسية، بل نقده وفقا للمعاير الأدبية والإبداعية فقط".

وانضم الكاتب محمد سلماوي، رئيس اتحاد كتاب مصر، إلى فريق المنددين، محذرا من المحاولات المتكررة والمتصاعدة مؤخرا للاعتداء على حرية الإبداع وعلى حق الفنانين في ممارسة عملهم والتعبير عن أفكارهم بحرية. وندد بالهجمة التي تستهدف مصادرة حق الشعب في التعرف على الإنتاج الفكري والإبداعي لغيره من الأمم بدون قمع أو رقابة أو خطوط حمراء طالما يأتي ذلك في إطار القانون واحترام قيم المجتمع والحريات، مشيرا إلى واقعة منع الفيلم الإيراني، وإلى وقائع أخرى مؤسفة مثل منع تصوير فيلم "فرش وغطا" في جامع السيدة نفيسة، ومنع اتحاد الإذاعة والتليفزيون - بتعليمات من وزير الإعلام - إذاعة أغنية ''مطلوب زعيم'' لفريق ''كاريوكي'' الغنائي الشبابي، والتي تعكس رأى الشباب في مواصفات رئيس بلادهم القادم. وقال إن أسلوب المنع والمصادرة كان من بين أسباب سقوط النظام السابق، وإن الإعلام الوطني يجب أن يعكس آراء وإبداعات المصريين على اختلاف توجهاتهم، خاصة إذا كانت هذه الإبداعات من إنتاج شباب الثورة. 

مفاجأة

وفي إطار استمرار المؤشرات المؤسفة، شهد الأسبوع الماضي مفاجأة فجرها المخرج أحمد عبد الله بتأكيده أن وزارة الأوقاف ما زالت على موقفها الرافض تصوير بعض مشاهد فيلمه الجديد "فرش وغطا" في جامع السيدة نفيسة، نافيا كل ما تردد في وسائل الإعلام قبل أيام عن صدور موافقة الوزارة على تصوير الفيلم بعد دراسة الموضوع واستجابة لمطالب السينمائيين والمثقفين، والتي تم التعبير عنها في عدة بيانات تدين موقف "الأوقاف" وتطالب بالسماح بتصوير الفيلم بالمسجد احتراما لحرية التعبير والإبداع.

وقال عبد الله، في تصريحات ل"القاهرة"، إنه لا يعرف مصدر شائعة السماح بتصوير الفيلم، حيث لم يصدر عن أي من صناع الفيلم، أو حتى عن الوزارة، ما يفيد بذلك. وأوضح أنه توجه إلى الوزارة بعد نشر هذه الشائعة ليعرف مصير الفيلم، فقيل له إنه لا توجد موافقة حتى الآن، وإن الموضوع ما زال تحت الدراسة، وطُلب منه أن يعود يوم الخميس الماضي لمعرفة القرار النهائي، ففعل، إلا أن مسئولي الوزارة قالوا له إن "الشيوخ" لم يفرغوا بعد من دراسة الموضوع، وطلبوا منه مجددا الحضور أمس الأول (الأحد) للسؤال.. وحتى مثول الجريدة للطبع، لم يكن قرار "الأوقاف" بشأن تصوير الفيلم قد صدر، ولم تكن غزوات المتأسلمين على حرية الإبداع قد توقفت.

No comments:

Post a Comment