أسامة عبد الفتاح يكتب:
المطلوب لمواجهة هجمة الفاشية الدينية على الإبداع
** المخطط أكبر من قضايا ضد عادل إمام أو غيره من الفنانين.. ويستهدف الوطن نفسه
** لابد من مادة في الدستور الجديد لحماية حرية الإبداع بوضوح وبشكل قاطع لا يقبل التأويل
لم يعد السكوت ممكنا أو مقبولا بعد أن كشرت الفاشية الدينية عن أنيابها لتلتهم كعكة مصر ما بعد الثورة وحدها، وتفرض على جميع المصريين نمطا واحدا في التفكير والسلوك - وحتى في الشكل - يقوم على مبدأ السمع والطاعة من دون إعمال العقل، ويعتمد ثقافة الجهل والخرافات والغيبيات، ويميل إلى التطرف والغلو.. لم تعد بيانات الشجب والإدانة تكفي لمواجهة الخطر الداهم الذي يهدد بالقضاء على مصر كوطن حر متفتح متعدد الثقافات والحضارات والديانات، وينذر بتحويلها إلى إمارة ملالي مغلقة ومنغلقة على غرار إيران أو أفغانستان.
في الأسبوع الماضي، توالى ظهور نتائج "المجهود الكبير" الذي بذله "الجناح القضائي" للفاشيين الجدد خلال الشهور الماضية لإعادة دعاوى الحسبة إلى حياتنا، وإقامة محاكم تفتيش مصرية على الأفكار والضمائر لإسكات أي صوت حر مختلف عن "الكورال المتأسلم" المراد ألا نسمع غيره، وقطع ألسنة المبدعين لأن أعمالهم من الممكن أن تبصر الناس بالحقيقة وتنير لهم الطريق.. فقد أيدت محكمة مصرية، الثلاثاء الماضي، الحكم بحبس الفنان عادل إمام لاتهامه بازدراء الإسلام والتهكم عليه في بعض أعماله الفنية.. وبعد أقل من 48 ساعة، الخميس الماضي، رفضت محكمة أخرى دعوى مماثلة ضد إمام وعدد من صناع أفلامه.
وبعيدا عن تفاصيل الدعويين، من الواضح تماما أن المخطط أكبر من مجرد قضايا تستهدف الفنانين، وأنه يستهدف الوطن نفسه، وله - إلى جانب "الجناح القضائي" - عدة مخالب وأجنحة، منها "الجناح التشريعي"، الذي ينشط بدوره في مجلس الشعب هذه الأيام لتمرير مجموعة من القوانين العجيبة التي من شأنها تقويض حريات الرأي والتعبير والإبداع، وسنتحدث عنها في هذا المكان في حينها.
تساؤل في محله
وأعجبتني للغاية حيثيات محكمة جنح العجوزة في رفض الدعوى الثانية، حيث فندت المحكمة كل ما نسب لعادل إمام وغيره من الفنانين، مشددة على أن "حرية الرأي والتعبير من أهم مقومات النظم الديمقراطية وأن الانتقاص منها انتقاص من الحكم الديمقراطي السليم". وأضافت أن "توجيه الانتقادات لأي تيار فكري غير مجرّم وأن بعض المتشددين يصرون على تنصيب أنفسهم أوصياء وحراساً ومدافعين عن العقيدة ضد الأخطار". ومن أهم ما جاء في هذه الحيثيات، التساؤل الذي أطلقته المحكمة قائلة: "على فرض أن تلك الأعمال الفنية تتناقض مع فهم البعض للعقيدة، فهل معني ذلك أن يختزل الدين في فهمهم وتأويلهم؟ لماذا صوروا ما جاء في الأعمال الفنية على أنه خطر على العقيدة وهو في الحقيقة خطر على فهمهم وتأويلاتهم؟ الدين والعقيدة في نفوس المصريين كشعب متدين أقوى من أن يهددهما عمل فني، لكن ضعف موقفهم المستمد من الظلام والجهل هو الذي صور لهم ذلك". وردت المحكمة على ادعاء المحامي مقيم الدعوي بأن الأعمال الفنية التي أقام دعواه ضدها انطوت على ازدراء الدين الإسلامي وتحقير المسلمين عموما والجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين على وجه الخصوص، بأنه يجب التفرقة بين الدين والفكر الديني من جهة وبين ما هو مقدس وما هو غير مقدس. وفندت ادعاءات المدعي بأن العمل الفني يتضمن ازدراء للدين الإسلامي، وقالت عن استخدام لحن أنشودة أسماء الله الحسني في مسرحية "الزعيم" إنه من المعلوم أن اللحن الموسيقي عمل فني من وضع البشر وليس من الدين في شيء.
خطأ فادح
وحول تقليد الفنان عادل إمام للشيخ الشعراوي في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، أكدت المحكمة أنه من الخطأ الفادح إضفاء صفة القداسة الدينية على رجال الدين أو على فكرهم.. وعن قول الفنان: "كيف أرشي الله؟" في فيلم"مرجان أحمد مرجان"، لم تر المحكمة في ذلك تطاولا على الذات الإلهية في شيء، حيث إنه سؤال استنكاري لعدم إمكانية حدوث ذلك، ولا يوجد ما يمنع من إظهار شخصية لا تؤمن بالله في عمل فني لأن المجتمع به مؤمنون وغير مؤمنين. وعن الادعاء بأن الأعمال الفنية بها تحقير للمسلمين عموما والجماعات والإخوان خصوصا، حيث تهكم عادل إمام علي هيئة وزي الملتحين والمنقبات في فيلمي "مرجان أحمد مرجان" و"الإرهابي"، أكدت المحكمة أن هذا من أمور السياسة ولا حصانة لها من النقد، خاصة أن الإخوان والجماعات أصبحت طرفا في المنظومة السياسية للبلاد وأنشأت أحزابا سياسية اشتركت بالفعل في الصراع السياسي، والنقد هنا للجماعات الإسلامية وليس للنقاب أو اللحية، وهو من منطلق الانتقاد الاجتماعي ومعالجة القضية الحيوية التي تتناولها أعمال فنية كثيرة. ويلفت النظر في الحيثيات، بعدها الثقافي إن جاز القول، حيث نصت على أن الأعمال الفنية من خيال المبدع ولا عقاب على خيال، كما استشهدت بأقوال وأفكار علماء الإسلام، كالإمام محمد عبده ومنهج ابن رشد وجمال الدين الأفغاني والإمام أبو حامد الغزالي، وببعض الأعمال الأدبية التي عالجت قضية الهوية مثل "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.
غضب عارم
وبقدر ما رحب المثقفون برفض الدعوى الثانية، وردد عدد من الفنانين هتافات مثل "حرية حرية.. يسقط يسقط حكم المرشد" عقب النطق بالحكم، بقدر ما أثار الحكم بحبس عادل إمام موجة غضب عارمة بين المبدعين خوفا على حريتهم وحقوقهم.. وأصدرت عدة هيئات وجمعيات ثقافية وحقوقية بيانات لإدانة الهجمة على الإبداع، ومنها جبهة الإبداع المصري، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وجمعية نقاد السينما المصريين.. كما أعلنت نقابتا الممثلين والسينمائيين وقوفهما وراء عادل إمام ووراء كل الفنانين والمبدعين ممن يمثلون أمام القضاء في قضايا مماثلة.
وتخطت ردود الفعل حدود مصر، حيث نددت منظمة العفو الدولية بالحكم، وقالت إنه يوجه رسالة مفادها أن مصر لم تتنازل عن إرث عهد الرئيس السابق حسنى مبارك في مجال حرية التعبير.. وأكدت - في بيان - "أن عادل إمام وصناع الأفلام التي مثل فيها والتي تم على أساسها رفع القضية، يجب ألا يعاقبوا لتعبيرهم عن الرأي بشكل سلمي". وتركزت بيانات الهيئات والجمعيات الأهلية، وتصريحات المسئولين عنها، على أن نزع أي جزء من مكونات الأعمال الفنية من سياقها والحكم عليه منفرداً، يعتبر إخلالاً بها وتعاملاً معها بمنطق "ولا تقربوا الصلاة"، وأن حرية الفنان – اتفقنا أو اختلفنا معه سياسياً – تبقى الأصل الذي يجمعنا ويوحدنا ويدفعنا لخوض معارك ندافع فيها عن حق الفنان فى أن يعبر، ولا يمكن أن تكون وسائل مراجعة المبدع قمعية بأي شكل من الأشكال.. كما رأت في هذا النوع من القضايا خروجاً عن السياق الوطني العام، واعتداء على حريات كفلتها للإنسان كافة الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية.
ضربة موجعة واتفقت جموع المثقفين والمبدعين على أن هذا الاتجاه الخطير يشكل ضربة موجعة لحرية التعبير وحرية الإبداع، ويفتح الباب أمام المحتسبين لرفع المزيد من قضايا الحسبة الدينية والسياسية وفرض نوع جديد من الرقابة على الإبداع غير ذلك الذي حدده القانون من دون أن يكون لهم أي صفة أو مصلحة.. ولفتت إلى أن القانون المصري واللوائح المنظمة للأعمال الفنية حددت الطرق التي يجب أن تمر بها هذه الأعمال قبل عرضها على الجمهور، ومنها جهاز الرقابة الذي وافق عليها وسمح بتنفيذها، ويقوم التليفزيون المصري بعرضها منذ أكثر من 15 عاما، وليس من المنطقي أن يعاقب صناعها الآن رغم مرورها بكل تلك المراحل.
شخصيا لي رأي واضح ومنشور منذ سنوات في عادل إمام وأعماله، وأختلف معه سياسيا وفنيا، لكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحصوله - وغيره من المبدعين - على حريتهم وحقهم في التعبير وإبداء الرأي.. وأرى أن كل أشكال الإدانة والاحتجاج لا تكفي لمواجهة الفاشية الدينية والمتأسلمين، وأنه لابد من إصدار تشريع يحمي الفكر والفن وأهلهما من الملاحقة القضائية على أساس ديني أو أخلاقي، خاصة بعد تكرار هذه القضايا التي تعود بالمجتمع إلى العصور الوسطى، بل لابد من مادة في الدستور الجديد المزمع إصداره لحماية حرية الإبداع بوضوح وبشكل قاطع لا يقبل التأويل.. فهل تستجيب التأسيسية، أي تأسيسية؟
المطلوب لمواجهة هجمة الفاشية الدينية على الإبداع
** المخطط أكبر من قضايا ضد عادل إمام أو غيره من الفنانين.. ويستهدف الوطن نفسه
** لابد من مادة في الدستور الجديد لحماية حرية الإبداع بوضوح وبشكل قاطع لا يقبل التأويل
لم يعد السكوت ممكنا أو مقبولا بعد أن كشرت الفاشية الدينية عن أنيابها لتلتهم كعكة مصر ما بعد الثورة وحدها، وتفرض على جميع المصريين نمطا واحدا في التفكير والسلوك - وحتى في الشكل - يقوم على مبدأ السمع والطاعة من دون إعمال العقل، ويعتمد ثقافة الجهل والخرافات والغيبيات، ويميل إلى التطرف والغلو.. لم تعد بيانات الشجب والإدانة تكفي لمواجهة الخطر الداهم الذي يهدد بالقضاء على مصر كوطن حر متفتح متعدد الثقافات والحضارات والديانات، وينذر بتحويلها إلى إمارة ملالي مغلقة ومنغلقة على غرار إيران أو أفغانستان.
في الأسبوع الماضي، توالى ظهور نتائج "المجهود الكبير" الذي بذله "الجناح القضائي" للفاشيين الجدد خلال الشهور الماضية لإعادة دعاوى الحسبة إلى حياتنا، وإقامة محاكم تفتيش مصرية على الأفكار والضمائر لإسكات أي صوت حر مختلف عن "الكورال المتأسلم" المراد ألا نسمع غيره، وقطع ألسنة المبدعين لأن أعمالهم من الممكن أن تبصر الناس بالحقيقة وتنير لهم الطريق.. فقد أيدت محكمة مصرية، الثلاثاء الماضي، الحكم بحبس الفنان عادل إمام لاتهامه بازدراء الإسلام والتهكم عليه في بعض أعماله الفنية.. وبعد أقل من 48 ساعة، الخميس الماضي، رفضت محكمة أخرى دعوى مماثلة ضد إمام وعدد من صناع أفلامه.
وبعيدا عن تفاصيل الدعويين، من الواضح تماما أن المخطط أكبر من مجرد قضايا تستهدف الفنانين، وأنه يستهدف الوطن نفسه، وله - إلى جانب "الجناح القضائي" - عدة مخالب وأجنحة، منها "الجناح التشريعي"، الذي ينشط بدوره في مجلس الشعب هذه الأيام لتمرير مجموعة من القوانين العجيبة التي من شأنها تقويض حريات الرأي والتعبير والإبداع، وسنتحدث عنها في هذا المكان في حينها.
تساؤل في محله
وأعجبتني للغاية حيثيات محكمة جنح العجوزة في رفض الدعوى الثانية، حيث فندت المحكمة كل ما نسب لعادل إمام وغيره من الفنانين، مشددة على أن "حرية الرأي والتعبير من أهم مقومات النظم الديمقراطية وأن الانتقاص منها انتقاص من الحكم الديمقراطي السليم". وأضافت أن "توجيه الانتقادات لأي تيار فكري غير مجرّم وأن بعض المتشددين يصرون على تنصيب أنفسهم أوصياء وحراساً ومدافعين عن العقيدة ضد الأخطار". ومن أهم ما جاء في هذه الحيثيات، التساؤل الذي أطلقته المحكمة قائلة: "على فرض أن تلك الأعمال الفنية تتناقض مع فهم البعض للعقيدة، فهل معني ذلك أن يختزل الدين في فهمهم وتأويلهم؟ لماذا صوروا ما جاء في الأعمال الفنية على أنه خطر على العقيدة وهو في الحقيقة خطر على فهمهم وتأويلاتهم؟ الدين والعقيدة في نفوس المصريين كشعب متدين أقوى من أن يهددهما عمل فني، لكن ضعف موقفهم المستمد من الظلام والجهل هو الذي صور لهم ذلك". وردت المحكمة على ادعاء المحامي مقيم الدعوي بأن الأعمال الفنية التي أقام دعواه ضدها انطوت على ازدراء الدين الإسلامي وتحقير المسلمين عموما والجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين على وجه الخصوص، بأنه يجب التفرقة بين الدين والفكر الديني من جهة وبين ما هو مقدس وما هو غير مقدس. وفندت ادعاءات المدعي بأن العمل الفني يتضمن ازدراء للدين الإسلامي، وقالت عن استخدام لحن أنشودة أسماء الله الحسني في مسرحية "الزعيم" إنه من المعلوم أن اللحن الموسيقي عمل فني من وضع البشر وليس من الدين في شيء.
خطأ فادح
وحول تقليد الفنان عادل إمام للشيخ الشعراوي في فيلم "الواد محروس بتاع الوزير"، أكدت المحكمة أنه من الخطأ الفادح إضفاء صفة القداسة الدينية على رجال الدين أو على فكرهم.. وعن قول الفنان: "كيف أرشي الله؟" في فيلم"مرجان أحمد مرجان"، لم تر المحكمة في ذلك تطاولا على الذات الإلهية في شيء، حيث إنه سؤال استنكاري لعدم إمكانية حدوث ذلك، ولا يوجد ما يمنع من إظهار شخصية لا تؤمن بالله في عمل فني لأن المجتمع به مؤمنون وغير مؤمنين. وعن الادعاء بأن الأعمال الفنية بها تحقير للمسلمين عموما والجماعات والإخوان خصوصا، حيث تهكم عادل إمام علي هيئة وزي الملتحين والمنقبات في فيلمي "مرجان أحمد مرجان" و"الإرهابي"، أكدت المحكمة أن هذا من أمور السياسة ولا حصانة لها من النقد، خاصة أن الإخوان والجماعات أصبحت طرفا في المنظومة السياسية للبلاد وأنشأت أحزابا سياسية اشتركت بالفعل في الصراع السياسي، والنقد هنا للجماعات الإسلامية وليس للنقاب أو اللحية، وهو من منطلق الانتقاد الاجتماعي ومعالجة القضية الحيوية التي تتناولها أعمال فنية كثيرة. ويلفت النظر في الحيثيات، بعدها الثقافي إن جاز القول، حيث نصت على أن الأعمال الفنية من خيال المبدع ولا عقاب على خيال، كما استشهدت بأقوال وأفكار علماء الإسلام، كالإمام محمد عبده ومنهج ابن رشد وجمال الدين الأفغاني والإمام أبو حامد الغزالي، وببعض الأعمال الأدبية التي عالجت قضية الهوية مثل "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.
غضب عارم
وبقدر ما رحب المثقفون برفض الدعوى الثانية، وردد عدد من الفنانين هتافات مثل "حرية حرية.. يسقط يسقط حكم المرشد" عقب النطق بالحكم، بقدر ما أثار الحكم بحبس عادل إمام موجة غضب عارمة بين المبدعين خوفا على حريتهم وحقوقهم.. وأصدرت عدة هيئات وجمعيات ثقافية وحقوقية بيانات لإدانة الهجمة على الإبداع، ومنها جبهة الإبداع المصري، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وجمعية نقاد السينما المصريين.. كما أعلنت نقابتا الممثلين والسينمائيين وقوفهما وراء عادل إمام ووراء كل الفنانين والمبدعين ممن يمثلون أمام القضاء في قضايا مماثلة.
وتخطت ردود الفعل حدود مصر، حيث نددت منظمة العفو الدولية بالحكم، وقالت إنه يوجه رسالة مفادها أن مصر لم تتنازل عن إرث عهد الرئيس السابق حسنى مبارك في مجال حرية التعبير.. وأكدت - في بيان - "أن عادل إمام وصناع الأفلام التي مثل فيها والتي تم على أساسها رفع القضية، يجب ألا يعاقبوا لتعبيرهم عن الرأي بشكل سلمي". وتركزت بيانات الهيئات والجمعيات الأهلية، وتصريحات المسئولين عنها، على أن نزع أي جزء من مكونات الأعمال الفنية من سياقها والحكم عليه منفرداً، يعتبر إخلالاً بها وتعاملاً معها بمنطق "ولا تقربوا الصلاة"، وأن حرية الفنان – اتفقنا أو اختلفنا معه سياسياً – تبقى الأصل الذي يجمعنا ويوحدنا ويدفعنا لخوض معارك ندافع فيها عن حق الفنان فى أن يعبر، ولا يمكن أن تكون وسائل مراجعة المبدع قمعية بأي شكل من الأشكال.. كما رأت في هذا النوع من القضايا خروجاً عن السياق الوطني العام، واعتداء على حريات كفلتها للإنسان كافة الشرائع السماوية والدساتير الإنسانية.
ضربة موجعة واتفقت جموع المثقفين والمبدعين على أن هذا الاتجاه الخطير يشكل ضربة موجعة لحرية التعبير وحرية الإبداع، ويفتح الباب أمام المحتسبين لرفع المزيد من قضايا الحسبة الدينية والسياسية وفرض نوع جديد من الرقابة على الإبداع غير ذلك الذي حدده القانون من دون أن يكون لهم أي صفة أو مصلحة.. ولفتت إلى أن القانون المصري واللوائح المنظمة للأعمال الفنية حددت الطرق التي يجب أن تمر بها هذه الأعمال قبل عرضها على الجمهور، ومنها جهاز الرقابة الذي وافق عليها وسمح بتنفيذها، ويقوم التليفزيون المصري بعرضها منذ أكثر من 15 عاما، وليس من المنطقي أن يعاقب صناعها الآن رغم مرورها بكل تلك المراحل.
شخصيا لي رأي واضح ومنشور منذ سنوات في عادل إمام وأعماله، وأختلف معه سياسيا وفنيا، لكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحصوله - وغيره من المبدعين - على حريتهم وحقهم في التعبير وإبداء الرأي.. وأرى أن كل أشكال الإدانة والاحتجاج لا تكفي لمواجهة الفاشية الدينية والمتأسلمين، وأنه لابد من إصدار تشريع يحمي الفكر والفن وأهلهما من الملاحقة القضائية على أساس ديني أو أخلاقي، خاصة بعد تكرار هذه القضايا التي تعود بالمجتمع إلى العصور الوسطى، بل لابد من مادة في الدستور الجديد المزمع إصداره لحماية حرية الإبداع بوضوح وبشكل قاطع لا يقبل التأويل.. فهل تستجيب التأسيسية، أي تأسيسية؟