Friday, December 30, 2011

السينما في عصر مبارك-الحلقة الرابعة



عقدة السجادة‏..‏ والغياب الدائم عن المهرجانات الكبري 

حلقات يكتبها‏:‏أسامة عبد الفتاح 

حصلت السينما المصرية‏,‏ خلال عصر الرئيس السابق حسني مبارك‏,‏ أي خلال الأعوام الثلاثين الماضية‏,‏
علي عشرات الجوائز في مختلف الأفرع من عشرات المهرجانات المصرية والعربية والافريقية والآسيوية‏,‏ ليس هنا مجال حصرها‏,‏ وآخرها تانيت قرطاج الذهبي لفيلم أحمد عبد الله السيد ميكروفون‏,‏ وهرم القاهرة الذهبي لفيلم خالد الحجر الشوق‏,‏ أواخر العام الماضي‏.‏
لكن أفلامنا لم تفز بأي جائزة من أي مهرجان دولي كبير بحق‏(‏ كان ـ فينيسيا ـ برلين‏)‏ خلال هذه الفترة‏,‏ بل لم تشارك أصلا في المسابقات الرسمية لهذه المهرجانات باستثناء حالات نادرة جدا أبرزها المصير ليوسف شاهين في كان‏1998,‏ حين حل بديلا ـ في آخر لحظة ـ لأحد أفلام المخرج الصيني الكبير المعارض زانج ييمو‏,‏ الذي رفضت بلاده مشاركته‏..‏ ولم يحصل الفيلم علي جائزة‏,‏ فيما حصل شاهين نفسه علي جائزة اليوبيل الذهبي للمهرجان عن مجمل أعماله‏..‏ وأحدث المشاركات المسافر لأحمد ماهر في فينيسيا‏2009,‏ حين ضغط وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني بكل قوته وبكل علاقاته مع الجانب الايطالي لإشراك الفيلم في المسابقة‏,‏ باعتباره باكورة انتاج وزارته‏,‏ ولاقي الفيلم هجوما عنيفا من النقاد المصريين قبل الأجانب‏,‏ ولم يفز بأي جائزة بطبيعة الحال‏.‏
وخلال عصر مبارك‏,‏ وكل العصور السابقة‏,‏ لم تفز السينما المصرية بالأوسكار الأمريكي لأفضل فيلم أجنبي‏,‏ بل لم يتم ترشيح أي فيلم مصري لقائمة التصفية النهائية التي تضم خمسة أفلام‏,‏ رغم وجود لجنة طويلة عريضة مهمتها اختيار الفيلم الذي يمثل مصر‏,‏ بعد مناقشات ومداولات وتصويت‏!‏
ولأننا نعشق اللجان‏,‏ فنحن ـ في حدود علمي ـ الدولة الوحيدة في العالم التي شكلت لجنة اسمها العليا للمهرجانات‏..‏ وهذه اللجنة ـ وهي رسمية تتبع وزارة الثقافة ـ تتلقي طلبات المهرجانات الراغبة في اشتراك أفلام مصرية‏,‏ وترشح لها ما تريد من أفلام‏,‏ سواء طويلة أو قصيرة‏,‏ حيث أن هناك العديد من المهرجانات الدولية للأفلام القصيرة والتسجيلية‏.‏
وشخصيا‏,‏ لم أسمع في حياتي عن وصاية حكومية علي الفن أشد وطأة وتحكما‏..‏ فأعضاء اللجنة ـ مهما يعلو أو ييلغ شأنهم في عالم السينما ـ ليس من حقهم أن يكونوا أوصياء علي السينمائيين بحيث يرشحون ما يشاءون ويستبعدون ما يشاءون من أفلام‏,‏ فالأصل في الفن هو الحرية وليس من حق أحد أن يكون وحده وكيلا أو سمسارا للحقيقة‏.‏
وإذا كان أعضاء اللجنة يعرفون جيدا الحسابات والتوازنات المصرية‏,‏ ويحفظون عن ظهر قلب لائحة الموضوعات التي تسيء لسمعة مصر‏,‏ والموضوعات التي تحسن لهذه السمعة‏,‏ فإنهم بالتأكيد لا يعرفون شيئا عن أذواق وحسابات وتوازنات مسئولي المهرجانات الدولية‏,‏ ولا يعرفون أن هؤلاء المسئولين يضعون المعايير الفنية فوق كل اعتبار‏,‏ دون أن تشغلهم لحظة فكرة الإساءة لسمعة أحد‏,‏ لأن سمعة أي دولة ـ وليس مصر فقط ـ ليس لها علاقة بالسينما‏,‏ ولا يمكن أن تتأثر بأي فيلم‏.‏
وأول خطوة علي طريق استعادة وجود الأفلام المصرية في المهرجانات السينمائية الكبري‏,‏ يجب أن تكون إلغاء اللجنة العليا للمهرجانات‏,‏ وفتح الطريق أمام كل الأفلام للتقدم إلي كل المهرجانات‏,‏ من دون وصاية ولا تدخل‏..‏ ويجب أن تكون عناوين البريد الالكترونية والعادية‏,‏ وأرقام تليفونات جميع المهرجانات‏,‏ متاحة في كل المعاهد والمؤسسات والهيئات السينمائية لكي يتمكن السينمائيون من مخاطبة المهرجانات للمشاركة فيها‏.‏
وإذا أرسل أحد المهرجانات إلي وزارة الثقافة ـ أو أي من هيئاتنا ـ طالبا اشتراك فيلم مصري‏,‏ يجب أن يعلن ما يفيد بذلك في كل المؤسسات والهيئات وشركات الانتاج السينمائية حتي يتقدم من يريد‏,‏ حتي لو تقدم إلي كل مهرجان‏20‏ فيلما مصريا‏..‏ ولنترك لمسئولي هذه المهرجانات فرصة الاختيار‏.‏
ويبقي السؤال‏:‏ لماذا لا نشارك‏..‏ لماذا تسبقنا دول مثل إيران والهند ودول الشرق الأقصي‏,‏ رغم أن بعضها لا يملك تاريخنا السينمائي‏,‏ وليس عنده إمكاناتنا البشرية والتقنية؟
أسئلة قد يراها البعض صعبة جدا وليس لها إجابة‏,‏ وقد يعتبرها البعض الآخر شديدة السهولة وإجاباتها حاضرة من نوع‏:‏ ضعف المستوي الفني والتقني لأفلامنا‏,‏ واتجاه معظم السينمائيين للموضوعات التافهة والهزلية‏,‏ وميلهم إلي الاستسهال وأسلوب السلق في التنفيذ للحاق بالمواسم السينمائية والفوز بنصيب من كعكة الإيرادات‏,‏ التي يصنعها الاستظراف وليس الإجادة‏.‏
هناك جانب فني بلاشك‏,‏ لكن هناك أيضا فن العلاقات الدولية والتسويق‏..‏ فنحن نعرف قبل غيرنا أننا فاشلون في تسويق أنفسنا ومنتجاتنا‏,‏ سواء من السلع أو الأفلام‏..‏ وهذا ما كان ـ ولايزال ـ يعوق سعينا لزيادة صادراتنا‏..‏ فسلعنا قد تكون أفضل من سلع غيرنا لكننا نسيء تغليفها وإضفاء اللمسة الأخيرة عليها‏..‏ والأهم أننا نفشل في تسويقها بعد الانتهاء من تصنيعها‏..‏ حيث ننتظر دائما أن يأتينا من يشتريها دون أن نتحرك أو نسعي نحن إليه‏.‏
وفي المجال السنيمائي‏,‏ ظللنا لسنوات طويلة ننتظر أن تطلب المهرجانات الدولية مشاركة مصر بأفلامها‏,‏ فتنعقد اللجنة العليا للمهرجانات وتختار الفيلم أو الأفلام المرشحة‏,‏ ويتم اتخاذ الإجراءات الإدارية والروتينية اللازمة‏..‏ وهذه طريقة عفا عليها الزمن‏,‏ وإن كانت تصلح لمهرجان سان سباستيان أو واجادوجو‏,‏ فهي لا تصلح للمهرجانات الكبري التي يجب أن نسعي نحن إليها‏.‏
ولا أقصد فقط أن تتقدم أفلامنا بطلبات للمشاركة‏,‏ ولكن أقصد أساسا أن نقيم العلاقات اللازمة والمناسبة مع هذه المهرجانات‏,‏ وهذا يستلزم وجود كوادر مدربة وتتحدث مختلف اللغات في الجهات السينمائية الرسمية التي تتولي ملف العلاقات الدولية‏,‏ أو حتي في شركات الإنتاج الكبري التي يجب أن تسعي هي الأخري للوجود في المهرجانات الدولية‏,‏ ليس للفوز بالجوائز‏,‏ ولكن للترويج لأفلامها‏,‏ وفتح أسواق جديدة لها‏.‏
وطالما ثارت تساؤلات فنية حول قدرة دول أخري ـ مثل إيران ـ علي الوجود الدائم في كل المهرجانات والمحافل الدولية‏,‏ والفوز بجوائزها‏,‏ رغم أن إمكاناتها البشرية والتقنية لا تقارن بإمكاناتنا الكبيرة‏,‏ ورغم أنها لا تتمتع بالحرية التي تتمتع بها أفلامنا‏..‏ فالرقابة في إيران حديدية وقائمة ممنوعاتها لا تنتهي‏..‏ فإلي جانب تابوهات الجنس والسياسة والدين‏,‏ هناك حظر تصوير النساء إلا محجبات وفي وجود محرم‏,‏ وليس مسموحا بتصوير مشهد فيه رجل وامرأة وحدهما يتبادلان ـ مثلا ـ كلمات الحب التي تقوم عليها السينما المصرية كلها‏!‏
وفي ضوء هذه الممنوعات‏,‏ لك أن تتخيل حجم الموضوعات والأفكار التي لا يستطيع السينمائيون الإبرانيون تقديمها أو التعبير عنها‏..‏ ورغم ذلك يبدعون ويتألقون ويشاركون في كل المهرجانات الدولية ويفوزون بالجوائز‏..‏ كيف؟
في رأيي‏,‏ تتلخص الإجابة في كلمة واحدة‏:‏ الصدق‏..‏ فالسينمائيون الإيرانيون يقدمون موضوعاتهم ـ مهما كانت بسيطة ـ بصدق واقتناع كامل بضرورتها وجدواها‏..‏ في حين أن صناع أفلامنا لا يصدقون حرفا مما يقدمون‏,‏ بل يصنعون أفلامهم بما يتصورون أنه منطق السوق‏,‏ وعلي أساس ما يتخيلون أنه رغبة الجمهور‏..‏ والجمهور والمنطق معا منهم براء‏!‏
وإزاء هذا العجز‏,‏ تكونت لدي بعض السينمائيين المصريين ما يمكن تسميته عقدة السجادة الحمراء‏,‏ التي يسير عليها المشاركون والفائزون في المهرجانات الكبري‏,‏ خاصة كان والتي لا يسيرون هم عليها لغيابنا الدائم عن مثل هذه المهرجانات‏..‏ وكان الحل عندهم سهلا‏..‏ ويتلخص في أن يعلنوا بكل ثقة ـ ولا أريد أن أقول بجاحة ـ أن فيلمهم سيشارك في كان‏,‏ ويتقدموا للمشاركة في سوق الفيلم المقامة علي هامش المهرجان‏,‏ والمتاحة لجميع الأفلام والمسلسلات والبرامج التليفزيونية حول العالم من دون اختيار ولا اشتراط أي معايير فنية طالما أن شركة الإنتاج سددت قيمة الاشتراك في السوق‏..‏ وللتغلب علي العقدة‏,‏ يستأجر المنتج المصاب بها سجادة حمراء لكي يسير عليها هو وابطال فيلمه بعيدا عن المهرجان وضيوفه ومقاره الرسمية‏..‏ ولله في خلقه شئون‏!‏
 

No comments:

Post a Comment