أكذوبة أفلام العشوائيات..الطبقة المتوسطة قادت "25 يناير" وأسقطت توقعات مخرجى "ثورة الجياع"
بعد اشتعال ثورة 25 يناير، وانتهائها بتنحى الرئيس السابق حسنى مبارك، زعم بعض السينمائيين– بلا حرج أوخجل – أن أفلامهم تنبأت بالثورة، وأنها كانت الشرارة الأولى التي أشعلت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام مبارك الفاسد.. وكما لجأ بعض فلول النظام البائد إلى ركوب الثورة حماية لأنفسهم من غضب الثوار وسعيا لاستمرار نفوذهم السياسي وضمانا لعدم المساس بثرواتهم الحرام، فقد تجرأ هؤلاء السينمائيون ونسبوا لأنفسهم مجدا فنيا وسياسيا زائفا، استغلالا لحالة الضبابية والغموض التي تلف كل شيء في مصر الآن، والوسط السينمائي ليس استثناء.
مبدئيا، لا يمكن لمصري واحد أن يزعم أنه تنبأ بالثورة، حتى الذين دعوا إليها وكانوا أول من شارك فيها، فلا أحد كان يتوقع أن تتحول المظاهرات الشعبية، التي اختير يوم 25 يناير (عيد الشرطة) لتنظيمها في رسالة احتجاج ذات مغزى على ممارسات وانتهاكات الجهاز الأمني، ستتحول إلى ثورة كبرى بفضل انضمام جميع طوائف وفئات الشعب المصري إليها لإسقاط النظام.. والسينمائيون تحديدا ليس من حقهم ادعاء أي دور ثوري، فهم من أغرقوا مصر بالتفاهات والترهات في أواخر القرن العشرين وبدايات الألفية الجديدة.. ولا أقصد الأفلام الهزلية، لأنها لا تستحق المناقشة، بل أقصد تحديدا أفلام العشوائيات والمراهقة الفكرية والدعارة السينمائية التي قدمها "فلاسفة" متنكرون في صور مؤلفين ومخرجين، فصعب على العامة والدهماء أمثالي فهمها وتقديرها حق قدرها!
وكان الثنائي، المكون من المخرج خالد يوسف والسيناريست ناصر عبد الرحمن، أكثر من ادعى لنفسه التنبؤ والتبشير بالثورة، وتحديدا في أفلامهما "هي فوضى" و"حين ميسرة" و"دكان شحاتة".. وبعيدا عن التقييم الفني لهذه الأفلام، وكلها مليئة بالمشكلات والعيوب، فإن تحليل مضمونها السياسي يؤكد من دون أي مجهود أنها لا تتنبأ ولا تبشر بشيء، ولا تعدو كونها "توك شو" سينمائيا يردد مقولات الصحف والقنوات الفضائية حول جبروت بعض رجال الشرطة – مثل أمين "هي فوضى" – وحول "قنبلة" العشوائيات التي يسكنها 14 مليون مواطن والقابلة للانفجار في أي لحظة.
وإذا كان "حين ميسرة" – على سبيل المثال – قد تنبأ بأي شيء، فقد تنبأ بما لم يحدث، وبما لم – ولن – تشهده مصر، وهو ثورة الجياع، الذين سيخرجون من جحور العشوائيات "ليأكلوا الأخضر واليابس"، ولينفجروا في وجوه المواطنين المنعمين الذين يأكلون اللحم ويستحمون.. وهذه النبوءة "العبقرية" لم تلاق سوى الفشل الذريع، حيث قادت الطبقة المتوسطة ثورة 25 يناير، كما قادت جميع ثورات مصر على مدار تاريخها، وكانت فئة "جياع العشوائيات" الوحيدة التي لم تشارك في الثورة من قريب أو بعيد.
وأكذوبة التنبؤ بالثورة تتفرع في رأيي من أكذوبة – أو وهم – أكبر اسمها "السينما المستقلة في مصر"، يدعي مروجوها أنهم يصنعون سينما مختلفة ومستقلة عن السينما المصرية "التجارية" في رأيهم، ويضعون أنفسهم في "جيتو" منفصل عن باقي السينمائيين، بمن فيهم أهم وأكبر المخرجين، لتحقيق أغراض ومصالح شخصية ضيقة.
والطرح الموضوعي يؤكد أنه لا يوجد ما يسمى بالسينما المستقلة في مصر، وأن الأمر ليس أكثر من واجهة للمتاجرة بمجموعة من الشباب الحالم بالفن والشهرة و"الشحاتة" عليهم في دول الاتحاد الأوروبي وغيره للحصول على المساعدات والمنح والسفريات.. لكن أولا لابد من السؤال المنطقي: يعنى إيه سينما مستقلة؟
"مستقلة" تعنى بالضرورة الاستقلال عن شيء ما.. ويجمع الخبراء على أن لفظ "مستقل" يشير في معناه الواسع لأي فيلم لا يتم إنتاجه عن طريق أحد الاستوديوهات الكبرى.. وعادة ما يضم "الاستوديو الكبير" بين مبانيه عدة بلاتوهات مجهزة تماما لتصوير الأفلام، بالإضافة إلى مستلزمات ما قبل الإنتاج وما بعد الإنتاج مثل معامل إنتاج الأفلام السينمائية الطويلة ومعامل تجهيز الأفلام للعرض.
ووفقا لهذين التعريفين للفيلم المستقل وللاستوديو الكبير - والمتفق عليهما من الجميع - فإنه لا توجد سينما مستقلة في مصر لأنه لا يوجد فيها ستوديو كبير واحد - بالمفهوم العلمي - يملك البلاتوهات المجهزة للتصوير ومستلزمات ما قبل وما بعد الإنتاج.. أي أنه لا يوجد شيء تستقل عنه هذه السينما التي يتحدثون عنها.
والغالبية العظمى من الشركات العاملة في مصر يمكن وضعها تحت خانة "شركات الإنتاج الحر"، وبتعبير آخر: "صغار كبار المنتجين"، أو "كبار صغار المنتجين"، مثل "لوريون" و"لوريمار" و"ترايستار" في الولايات المتحدة، وفى مصر تصلح معظم الشركات كمثال.. وهذه الشركات - في مصر وأمريكا - عادة ما ترتبط باتفاقات أو تحالفات مع شركات التوزيع الكبرى لضمان توزيع أفلامها.. وهى تختلف عن الاستوديوهات الكبرى في أنها لا تملك بنية تحتية من بلاتوهات أو معدات، وكل ما تملكه مقر إداري لتسيير أمورها.. إنها شركات "مستقلة" يملكها أفراد، ولا تختلف في شيء عن الشركات التي تزعم أنها تصنع "سينما مستقلة" سوى أنها نجحت فتوسعت وكبر رأسمالها.
الإنتاج السينمائي المصري كله إذن – تقريبا – يمكن وصفه بأنه مستقل، ولا أدرى لماذا تصر بعض الشركات على أن تنسب لنفسها وحدها صناعة السينما المستقلة.. إنها ليست فقط عملية نصب للحصول على المنح والسفريات، ولكنها أيضا أسطع تعبير عن الفشل الذريع.. فلو كانت هذه الشركات ناجحة وجادة لأنتجت أفلاما روائية حقيقية تعبر عما تريد وعما تمثل من اتجاهات وتيارات اجتماعية وسياسية، ولاستطاعت بجودة أفلامها وتميزها أن تصل لاتفاقات مع شركات التوزيع لعرض أفلامها تجاريا على الناس.
ولبيان خطورة هذه "السينما المستقلة" المزعومة، أكتفي بمثال واحد: ففي تصريحات لبرنامج "يلا سينما" علي قناة "دريم1" الفضائية قبل عامين، قال المخرج الشاب كريم الشناوي إنه كان يعد مشروع فيلم بعنوان "32 درجة شمالا" عن الهجرة غير الشرعية، ولم يكن يجد ممولا.. وأثناء وجوده في الدوحة لحضور مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، حيث كان يعرض فيلما آخر، نصحه البعض ـ لم يقل من ـ بالتقدم إلى ما يسمى بالمشروع الأورومتوسطي السمعي ـ البصري، الذي يدعم سنويا 10 من الأفلام المستقلة والتسجيلية من بين نحو400 فيلم تتقدم له.
وأضاف أنه تمت الموافقة على فيلمه وبدأت الخطوات العملية لتنفيذه، بل أرسله المشروع الأورومتوسطي إلى ورشة عمل في اسطنبول.. وأثناء العمل، اكتشف أن هناك شريكا إسرائيليا في المشروع بحكم أنه أورومتوسطي وأن إسرائيل تقع على حوض البحر المتوسط، ثم اكتشف أن إدارة المشروع نفسها إسرائيلية، فصدم وقرر الانسحاب لأنه لا يريد التعامل مع جهات إسرائيلية وليس من هواة التطبيع.
وهذه التصريحات ـ في تقديري ـ في غاية الخطورة وتكشف حقيقة تجمع السينما المستقلة المشبوه وحقيقة تعاملاته مع جهات مشبوهة وحقيقة المؤسسات التي تموله وتقف وراءه.. ومهما تقدم الزمن وتغيرت المفاهيم وقال البعض إن ما أقوله عفا عليه الزمن وأصبح من الحفريات، فإنني مازلت أرى التطبيع ـ بأي صورة ـ خطا أحمر لا يجب أن يتجاوزه الفنانون والسينمائيون، فهو مخالف للإرادة الشعبية التي مازالت ـ وستظل ـ ترى في إسرائيل العدو الأول والحقيقي ومازالت ترفض أن تبيع وطنيتها بأموال قارون.
مبدئيا، لا يمكن لمصري واحد أن يزعم أنه تنبأ بالثورة، حتى الذين دعوا إليها وكانوا أول من شارك فيها، فلا أحد كان يتوقع أن تتحول المظاهرات الشعبية، التي اختير يوم 25 يناير (عيد الشرطة) لتنظيمها في رسالة احتجاج ذات مغزى على ممارسات وانتهاكات الجهاز الأمني، ستتحول إلى ثورة كبرى بفضل انضمام جميع طوائف وفئات الشعب المصري إليها لإسقاط النظام.. والسينمائيون تحديدا ليس من حقهم ادعاء أي دور ثوري، فهم من أغرقوا مصر بالتفاهات والترهات في أواخر القرن العشرين وبدايات الألفية الجديدة.. ولا أقصد الأفلام الهزلية، لأنها لا تستحق المناقشة، بل أقصد تحديدا أفلام العشوائيات والمراهقة الفكرية والدعارة السينمائية التي قدمها "فلاسفة" متنكرون في صور مؤلفين ومخرجين، فصعب على العامة والدهماء أمثالي فهمها وتقديرها حق قدرها!
وكان الثنائي، المكون من المخرج خالد يوسف والسيناريست ناصر عبد الرحمن، أكثر من ادعى لنفسه التنبؤ والتبشير بالثورة، وتحديدا في أفلامهما "هي فوضى" و"حين ميسرة" و"دكان شحاتة".. وبعيدا عن التقييم الفني لهذه الأفلام، وكلها مليئة بالمشكلات والعيوب، فإن تحليل مضمونها السياسي يؤكد من دون أي مجهود أنها لا تتنبأ ولا تبشر بشيء، ولا تعدو كونها "توك شو" سينمائيا يردد مقولات الصحف والقنوات الفضائية حول جبروت بعض رجال الشرطة – مثل أمين "هي فوضى" – وحول "قنبلة" العشوائيات التي يسكنها 14 مليون مواطن والقابلة للانفجار في أي لحظة.
وإذا كان "حين ميسرة" – على سبيل المثال – قد تنبأ بأي شيء، فقد تنبأ بما لم يحدث، وبما لم – ولن – تشهده مصر، وهو ثورة الجياع، الذين سيخرجون من جحور العشوائيات "ليأكلوا الأخضر واليابس"، ولينفجروا في وجوه المواطنين المنعمين الذين يأكلون اللحم ويستحمون.. وهذه النبوءة "العبقرية" لم تلاق سوى الفشل الذريع، حيث قادت الطبقة المتوسطة ثورة 25 يناير، كما قادت جميع ثورات مصر على مدار تاريخها، وكانت فئة "جياع العشوائيات" الوحيدة التي لم تشارك في الثورة من قريب أو بعيد.
وأكذوبة التنبؤ بالثورة تتفرع في رأيي من أكذوبة – أو وهم – أكبر اسمها "السينما المستقلة في مصر"، يدعي مروجوها أنهم يصنعون سينما مختلفة ومستقلة عن السينما المصرية "التجارية" في رأيهم، ويضعون أنفسهم في "جيتو" منفصل عن باقي السينمائيين، بمن فيهم أهم وأكبر المخرجين، لتحقيق أغراض ومصالح شخصية ضيقة.
والطرح الموضوعي يؤكد أنه لا يوجد ما يسمى بالسينما المستقلة في مصر، وأن الأمر ليس أكثر من واجهة للمتاجرة بمجموعة من الشباب الحالم بالفن والشهرة و"الشحاتة" عليهم في دول الاتحاد الأوروبي وغيره للحصول على المساعدات والمنح والسفريات.. لكن أولا لابد من السؤال المنطقي: يعنى إيه سينما مستقلة؟
"مستقلة" تعنى بالضرورة الاستقلال عن شيء ما.. ويجمع الخبراء على أن لفظ "مستقل" يشير في معناه الواسع لأي فيلم لا يتم إنتاجه عن طريق أحد الاستوديوهات الكبرى.. وعادة ما يضم "الاستوديو الكبير" بين مبانيه عدة بلاتوهات مجهزة تماما لتصوير الأفلام، بالإضافة إلى مستلزمات ما قبل الإنتاج وما بعد الإنتاج مثل معامل إنتاج الأفلام السينمائية الطويلة ومعامل تجهيز الأفلام للعرض.
ووفقا لهذين التعريفين للفيلم المستقل وللاستوديو الكبير - والمتفق عليهما من الجميع - فإنه لا توجد سينما مستقلة في مصر لأنه لا يوجد فيها ستوديو كبير واحد - بالمفهوم العلمي - يملك البلاتوهات المجهزة للتصوير ومستلزمات ما قبل وما بعد الإنتاج.. أي أنه لا يوجد شيء تستقل عنه هذه السينما التي يتحدثون عنها.
والغالبية العظمى من الشركات العاملة في مصر يمكن وضعها تحت خانة "شركات الإنتاج الحر"، وبتعبير آخر: "صغار كبار المنتجين"، أو "كبار صغار المنتجين"، مثل "لوريون" و"لوريمار" و"ترايستار" في الولايات المتحدة، وفى مصر تصلح معظم الشركات كمثال.. وهذه الشركات - في مصر وأمريكا - عادة ما ترتبط باتفاقات أو تحالفات مع شركات التوزيع الكبرى لضمان توزيع أفلامها.. وهى تختلف عن الاستوديوهات الكبرى في أنها لا تملك بنية تحتية من بلاتوهات أو معدات، وكل ما تملكه مقر إداري لتسيير أمورها.. إنها شركات "مستقلة" يملكها أفراد، ولا تختلف في شيء عن الشركات التي تزعم أنها تصنع "سينما مستقلة" سوى أنها نجحت فتوسعت وكبر رأسمالها.
الإنتاج السينمائي المصري كله إذن – تقريبا – يمكن وصفه بأنه مستقل، ولا أدرى لماذا تصر بعض الشركات على أن تنسب لنفسها وحدها صناعة السينما المستقلة.. إنها ليست فقط عملية نصب للحصول على المنح والسفريات، ولكنها أيضا أسطع تعبير عن الفشل الذريع.. فلو كانت هذه الشركات ناجحة وجادة لأنتجت أفلاما روائية حقيقية تعبر عما تريد وعما تمثل من اتجاهات وتيارات اجتماعية وسياسية، ولاستطاعت بجودة أفلامها وتميزها أن تصل لاتفاقات مع شركات التوزيع لعرض أفلامها تجاريا على الناس.
ولبيان خطورة هذه "السينما المستقلة" المزعومة، أكتفي بمثال واحد: ففي تصريحات لبرنامج "يلا سينما" علي قناة "دريم1" الفضائية قبل عامين، قال المخرج الشاب كريم الشناوي إنه كان يعد مشروع فيلم بعنوان "32 درجة شمالا" عن الهجرة غير الشرعية، ولم يكن يجد ممولا.. وأثناء وجوده في الدوحة لحضور مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، حيث كان يعرض فيلما آخر، نصحه البعض ـ لم يقل من ـ بالتقدم إلى ما يسمى بالمشروع الأورومتوسطي السمعي ـ البصري، الذي يدعم سنويا 10 من الأفلام المستقلة والتسجيلية من بين نحو400 فيلم تتقدم له.
وأضاف أنه تمت الموافقة على فيلمه وبدأت الخطوات العملية لتنفيذه، بل أرسله المشروع الأورومتوسطي إلى ورشة عمل في اسطنبول.. وأثناء العمل، اكتشف أن هناك شريكا إسرائيليا في المشروع بحكم أنه أورومتوسطي وأن إسرائيل تقع على حوض البحر المتوسط، ثم اكتشف أن إدارة المشروع نفسها إسرائيلية، فصدم وقرر الانسحاب لأنه لا يريد التعامل مع جهات إسرائيلية وليس من هواة التطبيع.
وهذه التصريحات ـ في تقديري ـ في غاية الخطورة وتكشف حقيقة تجمع السينما المستقلة المشبوه وحقيقة تعاملاته مع جهات مشبوهة وحقيقة المؤسسات التي تموله وتقف وراءه.. ومهما تقدم الزمن وتغيرت المفاهيم وقال البعض إن ما أقوله عفا عليه الزمن وأصبح من الحفريات، فإنني مازلت أرى التطبيع ـ بأي صورة ـ خطا أحمر لا يجب أن يتجاوزه الفنانون والسينمائيون، فهو مخالف للإرادة الشعبية التي مازالت ـ وستظل ـ ترى في إسرائيل العدو الأول والحقيقي ومازالت ترفض أن تبيع وطنيتها بأموال قارون.